العرق دساس اكذوبة ام حقيقة
عبود الحربي
العرق دساس مثال قديم تتناقله الألسن هنا وهناك للتعبير عن الأصل والنسب والأخلاق والطبائع السيئة ولايذكر هذا المثل الشائع الا بعد كل فضيحة اوفعل قبيح يرتكبه الشخص الملام ولكن السؤال : هل هذا المثال حقيقة تنطبق على البعض في الواقع ام انه مجرد خرافة من الخرافات واكذوبة من الاكاذيب المنتشرة بين التجمعات البشرية في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في اليمن والجزيرة العربية المعروفة بتركيبتها القبلية المحافظة منذ الأزل.
البعض يقول ان المثل حقيقة واقعية مستدلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :”تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس” ولكن هذا الحديث غير صحيح وفي احسن احواله انه ضعيف وليس معنى هذا ان الإنسان لا يتخير المرأة الصالحة ذات المنبت الحسن حيث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح :”تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” كذلك يستدل المؤمنين بهذا المثل من خلال تجاربهم مع البعض من الناس الذين يظهرون عكس مايبطنون وحتى في الظاهر تكون اخلاقهم سيئة مع الاخرين فليس هناك رادع يردعهم من دين او اخلاق او حتى مروءة توقفهم عند حدهم.
وهناك مثل عربي اخر يأتي في نفس سياق المثل السابق وهو قولهم ” من غرك قوله دلك فعله” والأفعال دائماً هي الميزان وهي الحكم لأنها واضحة وصريحة في ترجمة حقيقة الشخص كائناً من كان ومن اروع ماكتب حول هذا الأمر قصة الملك والسياسي وهي قصة تدل على الفراسة والذكاء والفطنة عند السياسي ويستفاد منها في معرفة الشخص من خلال تصرفاته واعماله الغير مطابقة لمنصبه او نسبه فمثلاً ورد في القصة معرفة السياسي ” السائس عند الملك ” ان الفرس أصيلة ولكنها رضعت من بقرة..! وحين سأله الملك عن سر معرفته بذلك قال السائس:” ان الفرس الأصيلة يؤتى اليها بالعلف فتاكل وهي مرفوعة الراس بينما فرسك أيها الملك فإنها تبحث عن العلف مثل البقر..”ولهذا كافئه الملك بأن جعله في خدمة زوجته الملكة الذي لم تمضي سوى ايام حتى هرب وعندما امسكوه وجاءوا به إلى الملك ساله عن سبب هروبه وبعد أن طلب الأمان واعطاه اياه الملك قال السائس:” ان زوجتك أيها الملك زوجة ملك وعاشت في بيت ملوك ولكنها ليست ابنة ملك..! وكالمرة السابقة طلب الأمان حتى يفصح عن السر ولكن الملك رماه بالسجن هذه المرة وذهب إلى أسرة زوجته الملكة وهناك سأل أهلها عن الأمر وكانت المفاجئة حيث اعترفت ام الملكة انها ليست ابنتها ولكنها من سلالة الغجر وقصتها انها وجدتها وحيدة عندما كانت طفلة بعد اضطهاد أهلها وتشريدهم وقامت تربيتها ثم قالت له ايضاً:” قام اباك الملك بطلبها وتزويجك اياها على اساس انها ابنتي التي توفيت وهي طفلة صغيرة فقمنا بتزويجك اياها خوف من اباك الملك.
عاد الملك وسأل السياسي بقوله :”كيف عرفت ذلك..! فقال السياسي :” ان لها همزاً وغمزاً بعينها وهذه من عادة الغجر عند التخاطب فيما بينهم وليست من عادة الملوك” وهنا اندهش الملك من دهاء الرجل السياسي وعلى ذلك تم مكافئته وطلب منه الملك ان يكون في خدمته فرفض الرجل وبعد تهديد الملك ووعيده عمل في خدمته ولكن مثل كل مرة هرب من قصر الملك فما كان من الملك إلا أن امر بالبحث عنه واحضاره وعندما احضروه ووقف بين يديه سأله عن سبب هروبه من القصر فقال له الرجل :” انك لست بإبن ملك اذهب وابحث عن اصلك..” جنن جنون الملك وذهب فورا إلى امه وسئلها عن حقيقة أصله ومن يكون والده فقالت له امه ان اباه كان ظالماً وعقيم وكان يتزوج النساء والتي لم تنجب له الولد يذبحها وعند ان تزوجها كان أمامها خياران اما الإنجاب او الذبح ولكون اباه عقيم ذهبت إلى طباخ القصر وقالت له :”انت ابن ذلك الطباخ.” فرجع الملك إلى السياسي وقال له كيف عرفت ذلك..؟ فقال السياسي :” أيها الملك ان من شيم الملوك وعادتهم انهم يعطون الاعطيات من الذهب والفضة والأموال ولكنك تعطي وتكافئ الآخرين باللحم والخبز والمرق وهذه من طبائع الطباخين وليست من طبائع الملوك فالعرق دساس”.