عامان من البكاء على أطلال “ريان”

زياد البسارة *

في مثل هذا اليوم الموافق ٢١ يناير من العام ٢٠٢٢ – سقط الطفل المغربي ريان أورام البالغ من العمر حينها ٥ اعوام في أحد أبآر المياة التابعة لإقليم شفشاون شمال المغرب وبعد خمسة أيام من محاولة إنقاذ هذا الطفل والتي وصفت هذه المحاولة بالأوسع نطاقا في تاريخ حقوق الإنسان المهدورة في منطقتنا العربية أعلن الديوان الملكي المغربي عبر وسائل الاعلام الدولية التي رافقت هذه الحادثة لحظة بلحظة نبأ وفاة الطفل ريان رسميا
.

هذه الحادثة التي حظيت بإهتمام دولي وعربي وشعبي وإعلامي واسع لم يسبق لمواطن عربي أن كانت حياته أو موته مهمة بالنسبة للانظمة العربية وللشارع العربي مثلما حظيت به حياة هذا الطفل المحظوظ فعلا – خصوصا وأن هذا الطفل ينتمي إلى رقعة جغرافية عربية واحدة لا تكترث لحياة شعوبها حتى وإن ماتوا بالجملة وفي ظل أي ضروف أو أسباب كانت – فهذا مما يستحيل على الانظمة والحكومات التدخل بشانه أو السؤال عنه – ربما لإيمانهم أن في ذلك تدخل في صلاحيات واهب الحياة والموت رب العباد قد يستوجب غضب السماء.

بعد مرور عامين على هذه الحادثة التي شكلت حينها منعطفا جديدا في تاريخ حقوق الإنسان في المنطقة العربية ربما للبواعث الانسانية التي كانت تحرك السباق الصحفي المحموم الذي كانت تسعى إليه وسائل الإعلام العربية في تسجيل نقطة مهنية في تاريخ عملها الإعلامي والذي يحاول محاكاة النمط الاعلامي السائد في الصحافة الغربية للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المتابعين.

شخصيا لست ضد هذا التعاطف الجماهيري أو ما يمكن أن نسميها الصحوة الانسانية العربية مع هذه الواقعة التى رافقت بالصوت والصورة محاولات إنقاذ حياة طفل عربي واحد سقط في بئر مياة وما رافق ذلك من وعي جماهيري شعبي بأهمية أن تستحق حياة الإنسان في عالمنا العربي كل الأهتمام والحرص عليها من أعلى رأس السلطة وحتى أخمص قدميها أسوة بعالم اليوم الذي يؤمن بإن تكون حياة الإنسان أهم بكثير من الأوطان ذاتها.

لكن الملاحظ أن هذه الحادثة كانت تسير بالتوازي مع أحداث مروعة كانت تعيشها كثير من الجبهات العربية المستعرة بالحروب الدامية والجرائم الجماعية التي تخلفها الصرعات المسلحة على السلطة في عالمنا العربي – حيث تدمر مناطق سكنية بكاملها على رؤؤس ساكنيها مع سقوط براميل متفجرة أو قذائف صاروخية عليهم – وكل ما يمكن وسائل الإعلام التعليق بشأنه هو الحديث عن اعداد القتلى والجرحى فقط الذين يعتقد أنهم قد سقطوا خلال هذه المعارك – بالاضافة إلى الكثير من الأحداث الدموية المؤسفة والقصص الانسانية المروعة التي لم ترتقي رغم فداحتها لمثل هذا الأهتمام الجماهيري والاعلامي بقصة الطفل ريان.

اليوم في قطاع غزه يموت الآلاف من الاطفال الفلسطينيين تحت الأنقاض تحت وطأة ضربات طيران الاحتلال الاسرائيلي الذي لا يعرف البراءة ولا الرحمة – وجميعهم كان من حقهم أن يحصل كل واحد منهم على ذات القدر من الأهتمام والتعاطف الجماهيري والدولي الذي حظيت به حياة الطفل ريان – لاسيما في ظل الحديث عن تلك الصحوة الانسانية الاي ظهر خلالها الشارع العربي في قصة هذا الطفل المغربي – والذي يبدو أن حياته لم تكن سوى عارض حقوقي يرافق موجات القتل الجماعي التي تجتاح عالمنا العربي لا أقل ولا اكثر.

  • من حائط الكاتب في موقع فيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى