مثلث الشر في رواية (يوم مات الشيطان) للكاتب الروائي أحمد قاسم العريقي
معين برس- كتب/ آزال الصباري:
قد يظن القارئ للوهلة الأولى أنه أمام دعوة للتحرر والخروج عن المألوف، أو أحداث في عالم من الخيال المبالغ فيه، ولكن الرواية هنا دعوة لمحاكمة الإنسان للإنسان الذي يحارب الحرية بمفهوم آخر لصنع الخير.
أراد الكاتب أن يتحدث عن الشر الذي يصنعه الإنسان في هذا العالم من خلال احتيالة على الدين والسياسة والعادات وتحويلها لمثلث الخطر الذي يهدد السلام، فجاء بعالم تحكمه طفرة العلوم والتكنولوجيا ويُشرع الخير والسلام كل قوانيته ، وكان مروان هو النافذة التي سيشاهد من خلالها سكان العالم المثالي ما يدور في عالمنا المحكوم بالشر والقتل.
مروان بطل الرواية والذي من خلال ذاكرته يعرض أحداث وتفاصيل من العالم الحقيقي الذي كان يعيشه، العالم المتأزم بالصراعات البشرية، مروان قبل أن ينتقل إلى العالم الآخر قيادي في جماعة سياسية دينيه، يرتكب أخطاء ويشارك في جرائم جماعية مبررة سياسيا ودينيا، من ثم يدخل في غيبوبة جراء انفجار مدوي أثناء الحرب الأخيرة الدائرة في اليمن، فينتقل إلى عالم آخر فلايدري أهي الجنة وقد بُعث فيها أم عالم الجن وقد اختطفته أحد الجنيات إليه، مروان نموذج من خلاله يعرض الكاتب.
تتحدث الرواية عن الشَّر الذي يسكن الإنسان ويتغلب على جوانب الخير، الشَّر الإنساني (الشيطان) الذي يتلاعب بوظيفة الإديان السامية التي جاءت لتُسير حياة الإنسان وتعبد طريقها، فيجعل منها وسيلة للتسلط والظلم، ويصنع كذلك بالسياسية ومفاهيمها، وكذلك العادات التي يُخضعها هي الأخرى وفقا لمصالحه.
من خلال مروان ومن عالمية الحقيقي والمُتخيل وبفنتازيا مُبهرة يرسم الكاتب مثلث الشر الذي شكله البشر (الدين، السياسة، العادات العنصرية) وبما أن الإنسان هو من حدد زوايا وأضلاع المثلث، وأخضع جل اتجاهاتها لتلبية أطماعه وغرائزة، وأرعب بهذا المثلث حياة البشر فقد جاء الكاتب بالعنوان (يوم مات الشيطان) ويقصد بالشيطان الشر الذي يسكن الإنسان وبذلك يُبرئ الشيطان المتعارف عليه في الكتب الدينية، ذلك المخلوق الذي تُلقي عليه البشرية كل أخطائها ، وييشير الكاتب أحمد قاسم بأصابع الاتهام إلى الإنسان بغرائزيته وحيوانيته الشيطانية، فهو من وجهة نظر الكاتب المجرم والمتهم، وتلك حقيقة لا مفر منها ولامناص.
يلخص الروائي ذلك بالمقارنة التي بين طبيعة حياة مروان في عالمه الحقيقي وعالمه الخيالي، فيقارن بين عالم الأسلحة والقتل والظلم والأنانية وبين السلام والحب والتعايش والقفزة التكنولوجية الهائلة في العالم الجديد، ثم يظل الكاتب يحاكم حياة الإنسان المليئة بالشر والأحقاد والصراعات من خلال أبطال الجنة ( ماري، مريانا، بروسي، والهيموربوتات والقوانين الجديدة)
اكتشافات مروان
يعيش مروان في عالمه الجديد ويتكشف، كم كان غبيا مؤدلجا ومسيرا وخاضعا لجماعات معينة، وكم كان همجيا في معظم علاقاته سواء السياسية ويسرد في ذلك تفاصيل حرب ٩٤ أو الاجتماعية كعلاقته بزوجته، ويتحسر كذلك على حال بلده حينما يشاهد التطور التكنولوجي المذهل الذي يعيشه العالم الجديد.
في العالم الجديد الذي تعجب منه مروان وأثار دهشته لاوجود للأديان ولا للدول ولا للحدود ولا للألقاب، لا وجود للإنانية، ولا للحقد، ولا وجود للشقاء ولا للدمار ولا للقتل وسفك الدماء، في العالم الجديد تُعتبر الإنانية مرض فتاك له لقاح خاص،ويعتبر الغضب والتعصب فيروس يجب مكافحته وتلك تفاصيل حياة مروان في عالم الجنة كما كان يعتقده، كل ما يميز هذا العالم هو التقدم التكلونوجي المبهر وطفرة الرخاء التي يتمتع بها الناس هناك، وهنا يلخص الكاتب أن الشر والحقد الإنانية التي تسكن النفس البشرية هي غذاء العنصرية وهي سقاء الشقاء وسبب التخلف والتأخر التكنولوجي الذي تعيشه المجتمعات.
في عالم مروان الجديد العلم هو الدين الذي يسير الحياة، والشرع هو العقارات الجديدة، فالعلماء ابتكروا أدوية تعالج المشكلة من جذورها،فهناك عقار لعلاج الإنانية وعقار لعلاج تمجيد الذات، وآخر لكبح الغضب، إذن ففي عالم مروان الجديد لا وجود للنصوص الدينية التي لم تنجح في علاج مشكلات عالم مروان الحقيقي ، لاوجود سوى للعلم الذي ابتكر أدوية وعقارات تعالج المشكلة من جذورها وهنا نخرج بخلاصتين الأولى أن العلم يستطيع أن يصبح هو الدين الذي ينظم حياة البشر إذا أستخدم في مجال الخير أولا وأخيرا،طبعا ذلك بحسب ما تحكيه الرواية، والخلاصة الثانية أن الشرائع والأحكام التي ستنجح بتسيير العالم هي شريعة الأخلاق، وذلك يتوافق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” التي بفقدها تسيطر على العالم وتدمره أمراض النفس البشرية من حقد وشر وإنانية.
أهم القضايا التي تتحدث عنها الرواية
قضية صراع الأديان:
أما القضايا التي تطرقت لها الرواية فكثيرة منها:- نفور الأديان من بعضها وطعنها لبعض البعض مع أنها تصب في قالب واحد.
قضايا سياسية:
كحرب ٩٤ وثورة٢٠١١ ومابعدها وحال اليمن الشقي، يظهر ذلك من خلال شاشة تعرض ذاكرة المليئة بالقتل والحروب مروان أمامه وأمام زوجاته، فيحاكم مروان نفسه وينتقدها ويلومها، بينما يتعجب سكان العالم الجديد من بشاعة مايرونه.
يتطرق أيضا للمشكلة الأزلية وهي صراع علي ومعاوية ذلك الخلاف الذي أنقضى زمانه بإنقاضاء مكانه ولكنا أبينا إلا أن نجعله القشة التي قسمت خاصرة الوطن وعمقت جراح الحاضر والمستقبل.
قضية المرأة:
يضع تصورا جميلا عن المرأة، فكيف أنها حين تدير العالم يكون أقل شرا وأكثر سلاما، ويناقش مظلوميتها والهيمنة الذكورية التي تسود المجتمعات، فيجعل النساء في العالم الجديد قوامات على الرجال، ويستعرض بعض التفاصيل التي تبين همجية الذكور وجبروتهم في تعاملهم مع النساء، فالمرأة هي من تعمل وتدير العالم بينما يتولى الرجل مهمة المحافظة على النسل فقط.
يحيل الكاتب الدمار الذي تعيشه الأوطان إلى ثلاثية الدمار في الحياة الإنسانية، السياسية والعادات المجتمعية والدين السياسي، ذلك المثلث الذي يجعل حياة الإنسان محفوفة بالعناء والشقاء.
وفي كل تلك القضايا يرجع السبب، للأنا الإنسانية (الشيطان) التي خلقت المثلث المخيف الدين والسياسة والعادات وجعلت حياة البشر في خطر.