المركز اليمني للسياسات يكشف في تقرير بحثي جرائم الاختفاء القسري وتأثُّر النساء باختفاء أقاربهن
معين برس- تقرير / اسامة فرحان *
أدى غيابٌ المساءلة عن الجرائم التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة في اليمن إلى «جائحة إفلاتٍ من العقاب»، حيث يرتكب الفاعلون في النزاع انتهاكاتٍ خطيرة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.
في التقرير البحثي الذي نشره المركز اليمني للسياسات، خلال ديسمبر الماضي، للباحثة سارة العريقي، بعنوان («لو فقط …» مقاومة النساء وأملهن في مواجهة الاختفاء القسري في اليمن)، حيث تناقش هذه الورقة البحثية، إحدى الجرائم التي يتورط فيها كل طرفٍ في النزاع هي الاختفاء القسري للأفراد، ويشمل ذلك الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، أو أي شخص قد يُنظر إليه على أنه معارضٌ سياسي.
يقدم التقرير البحثي نظرة عميقة على كيفية تأثُّر النساء باختفاء أقاربهن الذكور، في الوقت نفسه، وباستخدام عدسة النظرية النقدية والفكر النسوي.
ويكشف البحث أنه على الرغم من أنظمة القمع القوية والوصمة الناتجة عن الاختفاء القسري، فإن النساء ينخرطن في مقاومة يومية.
ويوضح كفاح النساء اليومي للتعامل مع الخسارة والغموض الذي يحيط المستقبل، يطارد هؤلاء النساء الأمل في أن أحباءهن ما زالوا على قيد الحياة، وعادة ما يكون هذا مصحوبًا بالخوف، مع العلم أن الاختفاء القسري في أغلب الأحيان يرافقه احتجازٌ تعسفي وتعذيب، وغالبًا ما ينتهي بالموت.
وأشار البحث إلى أن عمليات الاختفاء القسري تتم عندما يُلقى القبض على شخص أو يُختطف، ويكون مصيره مجهولًا عن عمدٍ، مما يترك الشخص محرومًا من الحماية القانونية، وأنه في اليمن، يُحتجز مئات اليمنيين في مراكز اعتقالٍ رسمية وغير رسمية. نفَّذت أطراف النزاع الحالي عمليات الاختفاء بمختلف مكوناتها.
بحسب التقرير البحثي فإن المنظمة اليمنية مواطنة لحقوق الإنسان، وثَّقت 770 حالة اختفاء قسري14بين عامي 2016 و2020، ومع ذلك، من المرجح للغاية أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثيرٍ حيث لا تزال معظم الحالات غير موثَّقة.
وعما يتعرَّض له المعتقلون أكد البحث أنهم يتعرضون للاختفاء والتعذيب والحبس الانفرادي والتعليق في أوضاعٍ مؤلمة والاعتداء الجنسي والحرق والتعليق لفتراتٍ طويلة والضرب والإعدامات الوهمية، وتُوفي بعضهم في الحجز.
في سياقٍ يوجد فيه مَن يستفيد من الهياكل والظروف المجتمعية، تُمارس السيطرة أولًا بالقوة العلنية، التي تتضمن حالات الاختفاء لأنها أداة رئيسية لقمع وإسكات المعارضين وأقاربهم وخلق الخوف والرعب. ومع ذلك، لا تُمارس سوى طبقة رقيقة من السلطة بالقوة السافرة، ويمكن حتى القول بأن اللجوء إلى العنف يشكِّل إخفاقًا في ممارسة السلطة الحقيقية.
يعتمد البحث على مقابلاتٍ متعمقة، بدأت المقابلات التي أُجريت للتقرير البحثي بسؤالٍ واحدٍ: «هل يمكن أن تخبريني المزيدَ عن قصتك؟». كان السؤال دعوة بسيطة للسيدات إلى التعبير علنًا عن الأحداث الماضية وكذلك النضالات اليومية، كزوجات وأمهات وأخوات وبنات المختفين.
تستكشف المقابلات البحثية الرابط بين التجارب الشخصية للمرأة والمقاومة بناءً على روايات مباشرة مجهولة المصدر من قريبات المختفين.
النساء اللاتي تمَّت مقابلتهن من مناطق جغرافية مختلفة، بما في ذلك صنعاء والحديدة وعدن وريمة وتعز وإب ومأرب، وخلفيات اجتماعية واقتصادية متباينة. على الرغم من هذه الاختلافات، أظهرت المقابلات قواسم مشتركة قوية في كيفية رؤية النساء لوضعهن وكيفية مقاومتهن، لا تُفهم المقاومة هنا على أنها معارضة عنيفة، بل تُفهم على أنها أعمال تَحَمُّلٍ يومية، وأفعالٌ ضد الأعراف الجندرية، والتحدث بصوتٍ عالٍ وإظهار التضامن، التي لا تتعارض مع القمع العنيف فحسب، بل هي أيضًا موجهة ضد وصمة العار والأيديولوجية التطبيعية وعدم المساواة الاجتماعية.
الجدير ذكره في البحث أنه اعتمد على قصص ميدانية عديدة ومتنوعة، حيث توضح القصص التي تشاركها النساء أنهن يدركن أنهن لا يتحمَّلن فقط الظلم الفردي ضدهن وضد أحبائهن، ولكنهن يواجهن هياكل اجتماعية متقاطعة ومتعددة الطبقات من الظلم، فقد ذكرت النساء اللاتي تمَّت مقابلتهن بشكلٍ متكررٍ الاستبعاد من التعليم، والموارد المالية، والمجتمع الأوسع.
وينوه البحث أن الوعي يصبح أقوى نتيجة للنظام الأبوي القائم على النوع الجندري، الذي هو متجذرٌ بعمقٍ في المجتمع اليمني، يتجلَّى ذلك في المعايير الجندرية المبنية اجتماعيًّا، وعدم المساواة في الوصول إلى السلطة السياسية، ونقص الحراك الاقتصادي والاجتماعي الذي يتعيَّن على النساء تحمُّله على أساسٍ يومي.
ويضيف التقرير البحثي أن النساء اللاتي تمَّت مقابلتهن لا تتعرَّض للإيذاء المباشر فحسب، بل يتعرضن أيضًا للتمييز الاجتماعي والسياسي، إن التحمُّل بحد ذاته هو عمل مقاومة، لأنه يعني عدم الاستسلام للقمع، ولكن بدلًا من ذلك فهو يعني الحفاظ على حياتهن وعائلاتهن معًا. علاوة على ذلك، فإن النساء واعياتٌ سياسيًّا وقادراتٌ على تحديد تلك المظالم.
ويوضح البحث أن النساء تميل إلى مقاومة الغياب الجسدي للمختفين، علاوة على حماية إرثهم، جزئيًّا للحفاظ على العلاقة مع أطفالهم، وكذلك العلاقة بين أفراد الأسرة، التي يمكن أن تتشوَّه نتيجة الوصم المباشر. إن وعي النساء بما يتعرضن له من ظلمٍ، ووعيهن بصواب موقفهن يسمح لهن بالالتقاء معًا في تضامن.
وذكر البحث أنه في البداية، مالت النساء اللاتي تمَّت مقابلتهن إلى تسليط الضوء على الأذى الذي تعرضت له النساء المتضررات، ومع ذلك، وراء الظلم الفردي، يمكننا تفكيك الطبقات المتعددة المتقاطعة من المظالم وعدم المساواة، كشفت روايات النساء كيف يمكن للمرأة أن تصبح واعية سياسيًّا بواقعها الاجتماعي، وكيف تقاوم النساء بشكلٍ ضمني وصريحٍ في حياتهن اليومية، وتتصرفن بتضامن، وتصورن مطالب العدالة وتعبِّرن عنها.
كما يشير التقرير البحثي إلى أن النساء تواجه مظالم متداخلة تتجاوز كونهن قريبات للمختفين قسريًّا، يتمحور المجتمع حول التمييز على أساسٍ جندري. تعيق القوانين والسياسات والأعراف التحقيق الكامل للحقوق الإنسانية للمرأة، وتحد من مشاركتها النشطة في جوانب الحياة العامة والسياسية.
قدمت النساء اللاتي ساهمن بحكاياتهن في الورقة البحثية توصياتٍ أبرزها:
- يجب تمكين قريبات المختفين من قِبَل فضاء المجتمع المدني، للمشاركة بنشاطٍ في عمليات السعي إلى تحقيق العدالة، ويتضمن هذا قول الحقيقة والعدالة العقابية والتصالحية، وعمليات التعويض التي تؤكد وتستعيد كرامة الضحايا، وتؤدي إلى الأمل في التغيير الدائم.
- هناك حاجة إلى المساعدة، وإلى برامج بسيطة يسهل للنساء الوصول إليها للتغلُّب على عدم المساواة الاجتماعية، من قِبَل مؤسسات الدولة اليمنية، وفضاء المجتمع المدني.
- تعد تدخلات الصحة النفسية، والنفسية – الاجتماعية التي تستجيب للنساء وتجاربهن الخاصة ضرورية، ويجب توفيرها من قِبَل مؤسسات الدولة اليمنية، وفضاء المجتمع المدني.
- يجب على المؤسسات معالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عانت منها هؤلاء النساء، وضمان حصول النساء على الفرص الكافية، ويتضمن ذلك التوظيف والمشاركة السياسية والتعليم.
- يجب على المجتمع الدولي، دعم الجهود المبذولة لتحقيق المساءلة. عليهم التدخل بشكلٍ عاجلٍ، ويشمل ذلك المطالبة بالإفراج عن جميع المختفين قسريًّا، بما يضمن كرامتهم وسلامتهم وأمنهم. علاوة على ذلك، يجب على الدول الأعضاء دعم إنشاء هيئة تحقيق دولية تركز على القضايا الجنائية.
- دعم نُهج العدالة التي تركز على الضحايا، على سبيل المثال نُهج العدالة التصالحية، والبرامج التعويضية، والآليات التي تؤكد قول الحقيقة وتبادل المعلومات مع العائلات.
ويعد المركز اليمني للسياسات هو مركز أبحاثٍ مستقلٍ أسَّسه، في العام 2020، مجموعةٌ من الباحثين اليمنيين والألمان ممّن لهم صِلة بالمركز اليمني لقياس الرأي العام، وهذا الأخير هو منظمة غير حكومية يمنية معروفة مقرُّها مدينة تعز اليمنية، أمّا المركز اليمني للسياسات يهدف إلى التأثير على عملية صنع السياسات المحلية والدولية بهدف تحسين الظروف المعيشية للشعب اليمني.
- المصدر: عدن الغد