محمود ياسين يكتب| آثار عكسية لأدلجة المناهج
محمود ياسين
ما الذي تنشدونه من تغيير المناهج؟
هل سيجعلكم هذا أقرب لوعي الناس وأقدر على السيطرة عليه وتوجيهه؟ تنشئة جيل يمني يؤمن بمنهجكم الانتقائي للتاريخ الإسلامي؟
لن يحدث أيٌّ من هذا، سيهمس كل ولي أمر في أذن ابنه: أجب على أسئلة الاختبار الذي أمسى وزاريا كله، أجب عليهم بما يناسبهم ولكن احتفظ بقناعتك التي أعلمك إياها. هذا سيزلزل نفسية الطالب ويخلق جيلا لا يسعه التعامل مع ما هو رسمي وسلطوي بغير الخداع والملق محتفظا في قرارة نفسه بأسباب التمترس والكمون، ناهيك عن تحول الدراسة لمدرسة فرز وتعلم الف باء الطائفية والمذهبية.
النظريات الثورية الشمولية وقد طبقتها قوة صاعدة يمكنها التواجد على غرار شيوعية الاتحاد السوفيتي، ذلك أن الاستراكية والرأسمالية لم تكونا موضوع انقسام في إرث المجتمع الروسي والأمة السلافية، كان هناك طبقات وصراعا طبقيا انحازت فيه الثورة البلشفية للغالبية من الشعب الروسي الفقير، وها هي قد مضت واندثرت رغم حفر شعارات البلشفية على كل معلَم حديدي، وانتهت في حكاية واحدة من أعظم أو هي الأعظم في التاريخ البشري وما يقال عنه “قسر الواقع وجره إلى الوهم”.
حتى الثورة الإيرانية استقبل الملايين قائدها إلى المطار وطُبقت في مجتمع شيعي أصلا، وها هم فتيان وفتيات الشيعة أنفسهم يزعزعون نظاما شموليا بقي منفصلا عن الواقع وأقرب لتجربة سوريالية خيالية.
لديك الوهابية رغم تخلفها لكنها لم تكن جذر انقسام بين نجد والحجاز مثلا، تقبلها المجتمع كله وها هو ينبذها وبقيادة حفيدي مؤسسة الحكم والمذهب، وفي عملية قسر مضادة تسعى لنقلهم للملهى بقوة الدولة وسطوة أيديولوجيا حديثة مناقضة لكل ما هو عليه المجتمع السعودي.
يمكنك التفكير في التجربة المصرية أيضا، رغم فكرة الرئيس المنتخب والفظائع التي اقترفها العسكر بحقهم إلا أنهم حاولوا، وبتهافت، أخونةَ الدولة المصرية وكان ذلك سببا مباشرا لاصطفاف المجتمع ضدهم وكان ذلك أيضا ذريعة العسكر.
تنجح السلطة التي تعزف غالباً على إيقاع المحصلة النهائية للتنوع والاختلاف وبوصفها معنية بما يشبه وعيها وما يناقضه أيضا.
حالة فصل منهجي تنجزونه أثناء سعيكم لأدلجة منهجية. يحدث العكس أثناء الصراعات ذات الطابع الفكري، وهذا الصراع لم يكن موجودا وما كان بوسعه أن يتواجد أصلا لو لم تستميتوا في عملية التعبئة الأيديولوجية هذه. وبإصراركم على العبث بالمناهج تخلقون هذا الصراع وتنجزون حالة تمترس فكري مذهبي معاكس وفي معركة مجانية، وكان بوسعكم في كل خطوة أن تتبعوا أبجد السلطات الصاعدة وهي تجهد في الاندماج بوعي المجتمع بدلاً من محاولة قسره، الانسجام مع الإيقاع الذهني العام لشعب تحكمونه بدلاً من محاولة التحكم في قناعاته. وهذه العملية التي تتبعونها هي أقرب لحقن الوعي الجمعي بمصل يحفز جهاز المناعة لا العكس.
نحن شعب مثخن بإرث الفرز الطائفي وبالكاد يتعافى منه وينشد معادلة حكم لا تزج به في هكذا خنادق مذهبية أثناء ما بدأت خنادق الحرب في الهدوء.
من زاملكم يمكن لعقلانية لديكم التقاط تلك النصيحة الأثيرة: من لامس السالب بسلك الموجب؟