هدفنا تكريم عطروش

آزال الصباري

كم أوجعتني هذه الصورة بتفاصيلها المتعَبَة المتعِبَة، بتفاصليها التي تطوي بينها سنوات عجاف التهمت صاحبها محمد محسن عطروش الفنان صاحب أغنية الاستقلال:

برع يا استعمار برع
من أرض الأحرار برع

في هذه الصورة رأيت احتلال آخرا يعذب عطروش، إنه احتلالٌ أشد إيلاما، احتلالٌ أشد قسوةً، إنه احتلالٌ الحياة حين تتحول إلى سجن وحصار ، إنه احتلال الخذلان الذي كان يسمى وطنا، احتلال جاء في توقيت أصبح فيه عطروش يتكئ على اللاشيء، ويستند على الفراغ، بينما يتقاسم الوطن من صنعوا الاحتلال الذي يعذب فناننا.

هذه الصورة الموجعة، وبدون تحليل آخر، فهي أُلتقطت لعطروش وهو في اتم الجاهزية، وبلا شك فإن فنانا قد ارتدى أفضل ما لديه، واستعار بسمةً خاطفة ليضعها على شفتيه ليبدوا سعيدا، وربما ليرتب ملامحه أمام الكاميرا، لقد تهيأ بكل الطرق المتاحة له والغير متاحة ليتلقط هذه الصورة المعدة للنشر، ووقفَ في أرضيةٍ بيضاء نظيفة، وكانت الخلفية أريكة مريحة كما يبدو، بل هي كذلك، المكان بتفاصيله المختلفة عن تفاصيل عطروش مهيأ للراحة، وعطروش كما ترون يتكئ على عصاته التي يهش بها وجع السنين، لا أدري لماذا لم يُدعَ فناننا للجلوس في الأريكة، ألا ترون أنه لو جلس على الأريكة لكانت الصورة أقل قسوة على قلبي، لاشك أن فنانا كان سيبدوا أفضل، قبل أيام رأيت صورة لعطروش يبسط فيها متكأًه في الرصيف، لا أدري لماذا وجدته فيها أكثر قوة وصلابة، لا أدري.

حين رأيت هذه الصورة وللتو وجدتني أحرك شفتاي وصوت عطروش يشدو:
رحنا إلى البندر في شهر نيسان
نشتي نبيع الفل لكل ولهان
ضيعت أنا فلي واصبحت هيمان
روحت أنا ، والقلب في الشيخ عثمان
فقلت تبا لهذا البندر الذي لم يكن غير مصيدة، تبا لهذا البندر الذي خذل الفل والحب وهيأ نفسه للحرب والهلاك، لقد خذل البندرُ فناننا مرتين مرة حين فقد حبه فيه وأضاع الفل وعاد خائبًا سوى من هياما أتعبه، وخذله مرة ثانية حينما تحول من ملاذا للمحبين إلى مرتعا للوحوش.

الفنان عطروش

لمن يجهل حال المبدع في هذا الوطن، هذه الصورة هي مسك ختام العطاء والوفاء والتضحية، وهذه الصورة هي خلاصة الانكسارات والمكابرة، هذه الصورة التي لا نحب أن نراهم بها، هؤلاء الذين نتغنى بأصواتهم كل صبحٍ وحين، هذه الصورة التي تختصر الكثير من المكابرة، وتُفصِّلُ الكثير من الوجع هي الحياة التي يُكرم بها كل مبدعٍ وطنيٍّ.

  • أديبة وكاتبة يمنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى