تحليل | هل يواجه ترمب أخطارا قانونية بعد دهم منزله؟
طارق الشامي*
على الرغم من أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ووزارة العدل الأميركية لم يكشفا بعد عن تفاصيل عملية دهم منزل الرئيس السابق دونالد ترمب في منتجع “مار أي لاغو” في ولاية فلوريدا، فإن عملية التفتيش المفاجئة التي يُعتقد أنها تتعلق بتحقيقات وزارة العدل حول نقل سجلات سرية من البيت الأبيض في الأيام الأخيرة من حكم ترمب، تحمل عواقب محتملة وتأثيرات بالغة على الرئيس السابق والحزب الجمهوري. ويأتي ذلك في وقت كان يعتزم ترمب الإعلان عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة 2024، بينما يقترب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. فما الآثار المحتملة لهذه الخطوة؟
وسائل حرب
فيما لا تزال واشنطن تهتز على وقع دهم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزل ترمب في فلوريدا، مساء الإثنين الثامن من أغسطس (آب)، وسط دوامة من الأسئلة عما دفع وزارة العدل إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة غير المسبوقة في التاريخ الأميركي تجاه رئيس سابق، تفاقمت الفتنة السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين. فكثيرون من الجمهوريين اعتبروا هذا الإجراء بمثابة “وسيلة حرب” وعمل تحركه دوافع سياسية، فيما وصف الديمقراطيون هذه الخطوة بـ”المنطقية والطبيعية”، على اعتبار أن ترمب نفسه كان رئيساً غير مسبوق، ما يتطلب إجراءات غير مسبوقة ضده.
لكن ما يجعل للأمر قيمة مضاعفة هو أن ترمب لم يكن في هذه اللحظة مجرد رئيس سابق يخضع لتحقيق فيدرالي، إنما مرشح محتمل لانتخابات الرئاسة المقررة عام 2024، بحسب ما يقول جوليان زيليزر، المؤرخ الرئاسي في جامعة برينستون الأميركية، خصوصاً أن ترمب أشار بقوة إلى أنه سيسعى إلى ولاية أخرى، وأنه سيعلن ترشحه في أقرب وقت.
مع ذلك، أنكر زيليزر أي تماثل بين ما يجري مع ترمب وما جرى مع الرئيس السابق ريتشارد نيكسون خلال فضيحة “ووترغيت” التي أشار لها ترمب خلال دهم مقر إقامته في فلوريدا، في محاولة تأكيد استهدافه لأسباب سياسية وليست قانونية.
هل ترمب في خطر قانوني؟
وفي حين جاء دهم المحققين الفيدراليين منزل ترمب في سياق تحقيق بشأن إذا ما كان الرئيس السابق قد نقل وثائق سرية من البيت الأبيض إلى منزله عندما غادر منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021، وهو تطور يعتبر البعض أنه يهدد بمنعه من الترشح للرئاسة عام 2024، تبدو الصورة ملتبسة وضبابية بين فقهاء القانون في الولايات المتحدة. ويعود ذلك إلى أن العقوبة المحتملة لإخفاء أو إتلاف السجلات الرئاسية بشكل غير صحيح بموجب القسم 2071 من البند 18 في قانون السجلات الرئاسية لعام 1978، هي غرامة تصل إلى ثلاث سنوات في السجن والالتزام بإقالة المسؤول المدان من منصبه وعدم أهليته لشغل أي منصب حكومي في الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن الدستور الأميركي يحدد مؤهلات الرئاسة، ولم يتم اختبار بند عدم الأهلية المنصوص عليه في القانون في قضية تتعلق بالرئيس.
أمثلة سابقة
ومن بين الأمثلة في شأن المسؤولين السابقين الذين تعرضوا لعقوبات، صمويل بيرغر، مستشار الأمن القومي للرئيس بيل كلينتون، الذي أقر بالذنب عام 2015 في تهمة جنحة بسبب حذفه مواد سرية من أرشيف حكومي. كذلك، حُكم عام 2007 على دونالد كيزر، الخبير في شؤون آسيا والمسؤول السابق في وزارة الخارجية، بالسجن بعدما اعترف بالاحتفاظ بأكثر من ثلاثة آلاف وثيقة سرية حساسة في قبو منزله. وفي عام 1999، علقت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) التصريح الأمني لمديرها السابق، جون دويتش، بعدما خلصت إلى أنه تعامل بشكل غير ملائم مع الأسرار الوطنية على جهاز كمبيوتر مكتبي في منزله.
مع ذلك، فإن مسألة كيفية تعامل ترمب مع الوثائق السرية تبدو أكثر تعقيداً من قضايا المسؤولين في المناصب غير الرئاسية، لأنه كرئيس كانت لديه سلطة رفع السرية عن أي معلومات حكومية، ومن غير الواضح إذا ما كان ترمب قد رفع السرية قبل مغادرته منصبه عن الوثائق والمواد التي عثر عليها في الصناديق.
منطقة مجهولة
لهذا تقول المدعية الفيدرالية السابقة جينيفر رودجرز لموقع “بلومبيرغ”، إن عملية تفتيش منزل ترمب تقود إلى منطقة مجهولة، إذ ليس مؤكداً إذا ما كان ترمب في مأزق قانوني خطير، لأن ما يعرقل توجيه الاتهام في قضايا المعلومات السرية مرتفع للغاية، ومن غير المرجح حدوث انتهاك جنائي لقانون السجلات الرئاسية لأسباب متنوعة تتعلق باللغة القانونية للجرائم ذات الصلة والعقوبات المحتملة.
وتشير صحيفة “نيويورك تايمز” في تحليل لها إلى أنه من الناحية الظاهرية فإن اتهام ترمب وإدانته بإزالة أو إخفاء أو إتلاف السجلات الحكومية بموجب القانون، قد تجعله غير مؤهل ليصبح رئيساً مرة أخرى، لكن نظرة فاحصة لما جرى عام 2015، قد تغير هذا الاستنتاج.
هيلاري لم تُتهم
في هذا التوقيت، عندما تبين أن هيلاري كلينتون ستكون هي المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي لعام 2016، وأنها استخدمت خادم بريد إلكتروني خاص لإجراء أعمال حكومية أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية، اعتقد بعض الجمهوريين لفترة وجيزة أن القانون يمكن أن يبقيها خارج البيت الأبيض. ومن هؤلاء مايكل موكاسي، المدعي العام السابق في إدارة جورج دبليو بوش.
لكن، عند النظر في هذا الموقف، لاحظ العديد من الباحثين القانونيين، بمن في ذلك سيث تيلمان من جامعة ماينوث ويوجين فولوخ من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، أن الدستور يحدد صلاحية مَن يمكن أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، وجادلا بأن الأحكام الصادرة من المحكمة العليا الأميركية تشير إلى أن الكونغرس لا يمكنه تعديل هذه الصلاحيات، بينما يسمح الدستور للكونغرس بحرمان الأشخاص من تولي مناصبهم فحسب خلال إجراءات الإقالة للرؤساء والمسؤولين الحكوميين، لكنه لا يمنح مثل هذه السلطة للقانون الجنائي العادي. وعلاوة على ذلك فإن هيلاري كلينتون لم تتهم قط بأي جريمة تتعلق باستخدامها الخادم خلال ترشحها للمنصب الرئاسي.
سلطة رفع السرية
وفي حين تعترف قناة “فوكس نيوز” بأن القانون الفيدرالي يحظر إزالة الوثائق السرية إلى مواقع غير مصرح بها، إلا أنها تشير إلى أنه بوسع ترمب أن يحاول القول، إنه كرئيس كان هو السلطة النهائية لرفع السرية، وإنه من بين جميع الوثائق والمواد التي تم إنشاؤها في سياق الأعمال التي أجرتها الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، فإن ما يتراوح بين واحد وثلاثة في المئة فقط من الوثائق تبدو مهمة جداً لأسباب قانونية أو تاريخية لدرجة أن إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية تحتفظ بها إلى الأبد، كما ينص موقع الإدارة على شبكة الإنترنت.
وفي وقت سابق من هذا العام، استعادت إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية 15 صندوقاً من السجلات الرسمية من منزل ترمب في “مار أي لاغو”، بعضها صُنف على أنه سري أو سري للغاية، وبعضها تم تدميره. وحينها قال ترمب، إنه يتعاون مع وزارة العدل. ولهذا يرى جوناثان تورلي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، أن قانون السجلات الرئاسية ليس موضوع محاكمة جنائية بشكل عام، حتى في أكثر الحالات فظاعة، وأنه تم التعامل مع هذه الحوادث بشكل إداري.
هل يستفيد ترمب؟
وبينما يبدو للبعض أن سمعة ترمب تضررت من دهم مكتب التحقيقات الفيدرالي مقر إقامته في بالم بيتش بولاية فلوريدا، إلا أن عدداً من المراقبين يرون أنه استفاد من هذا الحادث، إذ يشير مايكل أنطونيو المحلل السياسي في شبكة “سي أن أن”، إلى أن ترمب يحول كل شيء إلى نوع من الدعاية وأنه كان مستعداً لما حدث، لأن من شأن ذلك أن يشعل حماسة 35 في المئة من ناخبيه. الأمر الذي يعمل لمصلحته، وخصوصاً حينما اتهم الديمقراطيين بأنهم لا يريدونه أنه يترشح للرئاسة مرة أخرى عام 2024.
ويتناغم هذا التحليل مع ما أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” بأن الفريق السياسي لترمب بدأ إرسال طلبات لجمع الأموال من المؤيدين على خلفية دهم منزله في وقت متأخر من مساء الإثنين.
لكن آليسا غريفن، مديرة الاتصالات السابقة في البيت الأبيض خلال إدارة ترمب، عبرت عن أملها ألا تكون وزارة العدل قد منحت ترمب فرصة جيدة للترشح للرئاسة، على الرغم من أن الوثائق السرية يمكن أن تشكل تهديداً للأمن القومي إذا ما وقعت في الأيدي الخطأ. وقالت إن ترمب يعرف كيف يحول هذا الحادث لمصلحته، خصوصاً أنه استخدم مصطلحاته الشهيرة لجذب الجمهوريين، حين قال إن اقتحام منزله يجعل أميركا مثل جمهورية موز.
ويعتقد دانييل غولدمان، وهو مدعٍ عام فيدرالي سابق، أن جميع التحقيقات التي أجريت مع ترمب، كانت بالنسبة إليه عملية سياسية، وسيبدو الأمر سيئاً إذا لم تكشف عملية الدهم عن شيء قوي ضده. لكن غولدمان يعتقد أن لدى وزارة العدل معلومات جيدة من الشهود، وأن هناك مزيداً سيكشف عنه الدهم.
ليست المرة الأولى
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطوق فيها تحقيق جنائي ترمب، فقد نظرت وزارة العدل في ما كان عرقل تحقيق مولر في التواطؤ الروسي المزعوم مع حملته. وقررت في النهاية عدم توجيه الاتهام إليه. واتُهمت شركته التي تحمل اسمه في محكمة ولاية نيويورك بارتكاب جرائم ضريبية.
مع ذلك، فهذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها المدعون الفيدراليون خطوة درامية لتأمين مذكرة تفتيش في منزل ترمب تحت إشراف كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي عينه ترمب، في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس السابق للإدلاء بشهادته خلال أغسطس، أمام المدعي العام في نيويورك، وهو ديمقراطي يحقق في تقييمات أصول منظمة ترمب.
المصدر: الاندبندنت
* صحفي متخصص في الشؤون الأمريكية والعربية