صور | أمير العيد “المعجّب”
آزال الصباري
تسميةٌ مرتبطةٌ بالمناطق الوسطى في اليمن، من التسمية يعرف السامع أو القارئ أنه أمر خاص بالعيد، وهي في حقيقة الأمر احتفالية خاصة بالعيد، توضح حدثا جماهيريا وليس فرديا كما تبدو التسمية الفردية في مفردتي العبارة (أمير العيد).
حينما كُنَّا صغاراً، وفي زياراتنا القليلة للقرية،لم نكن ننتظرُ ارتداء ثوبِ العيد، تلكِ القطعة من القماشِ التي كان أغلبُنا يلبسها يومَ العيد (الصغير) ثم يخلعها ليخبئَها في الخِزانة ليتزيَّنَ بها في يومِ العيد ( الكبير) ثم يحتفظُ بها للمناسبات القادمة ، في حقيقة الأمر لم تكن لنا خزائنٌ للملابس، كانت أمهاتنا تلفُّها في شوالات الدقيق الفارغة، كانت تغسل جيدا ويبقى مكتوب عليها بالخط الأحمر “قمح استرالي” أو باللون الأخضر “دقيق السنابل” أعدتن الأمهات دس أشيائهن المهمة في تلك الشوالات،وكان ثياب العيد بعض تلك الأشياء، كن يغسلن ثياب العيد بعناية، ويعدن ترتيبهن بالطريقة التي تجعل منها ثيابا جديدة مرةً أخرى ثم يضعن تلك الأكياس في إحدى نوافذ المنزل المغلقة المرتفعة ليصعبَ علينا الوصولُ إليها، فتظل أعينُنا تراقبُ تلكَ النوافذَ ، تشتهيها وتُقدسها، ورغمَ السعادة التي تمنحنا إياها جيوبُ تلك الأثواب وتفاصيلها وألوانها البسيطة إلا أننا كُنَّا ننتظرُ أميرَ العيد أكثرَ من انتظارنا لنزولها إلينا ،كنا نرتبِ أشواقنا له بعناية ، في ذلك الصباح الذي يُحتملُ فيه قدوم أميرُ العيد بموكبه العظيم ، كُنا نُطِلُّ من النوافذ ، نجري في الوديان ، يسأل بعضنا البعض ،:” تقول بايجي هذا العيد أو لا”.. وفي القلوب لهفةٌ يصعبُ على آلاف الفساتين والقمصان أن تخلقها الآن.
أميرُ العيد الاحتفالية الكبيرة التي ينطلق بها مجموعةٌ من الرجال حاملين طبولاً ، وجنابٍ، يهرولون راقصين بخفة وبخطى سريعة، يشكلون كوكبة من الراقصين ،تلوح جنابيهم حول شخص أو اثنين وأحيانا ثلاثة أحدهم يرتدي ثياب امرأة ويضع على رأسه “اللوية” وهي قطعة هلالية الشكل خاصة بالعروسة توضع فوق الرأس من المقدمة ،تشبه اللوية أشكال القمريات التي تتزين بها البيوت اليمنية،و( اللوية) زينة كانت ترتديها العروس في أغلب مناطق اليمن.
،وهي شيء يشبه التاج لكن بتقنية البسطاء، الرجل الثاني في الموكب يرتدي زيا تنكريا وقناعا أو جلد حيوان ما، يبعث للضحك والابتسامة ومهمته ملاحقة الصغار والرقص بقربهم، أما الثالث فقد يتنكر بثياب مختلفة وقد يكون راقصا محترفا يراقص الرجل المنتكر بزي المرأة، يرقص أمير العيد أو يرقصون على إيقاع الطبول وأصوات الكبار والأطفال وضحكاتهم، التي تعلو شيئا فشيئا، متنقلين بين القرى، يلتف حولهم الناس ، للاستمتاع بالمشهد الجميل ، يتسابق الأطفالُ للحاق بالموكب الذي يهبط غالباً من أعالي الجبال التي تُعمرها القرى الشامخة ، فيشبه الموكبُ في انحداره شلالات وادي بنا في هبوطها المدهش ، في تلك الأثناء تعلو ضحكات الصغار في السماء لتعزف سمفونية ترقص على إيقاعها الروابي والأودية.
ذلك كان أجمل مايحدث في العيد إن لم يكن هو العيد بأجمل تفاصيله، كانت الابتسامة والتعجب هي العيد الأنقى والأجمل والأشهى، فكلما كشف أمير العيد قناعه (اللثمة) البرقع ، أو قناع الحيوان، يغرق الأطفال بالضحك وينتشون سعادة، وهكذا يجري خلفه الرجال والأطفال، بينما تراقبُ النساءُ ذلك العرس الجميل من خلف النوافذ بشغف يفوق شغف الجميع ، وقد ترقصُ بعضهنَّ في بيوتهن على إيقاع طبول موكب أمير العيد وأوتار سعادتهن التي لا توصف ، بينما تنشغل البقية في البحث عن اسم الشخص أو الأشخاص الذي يجسدون دور أمير العيد”المرأة” وقد يدخلن في رهان مادي ،تفوز به من كان توقعها صائباً.
كان الصبية يحظون أكثر منا بالاقتراب من أمير العيد، ونقول أصبية وليس فتية لأن مفردة فتية كبيرة على أعمارنا حينها، فقد كنا نحن الصبايا نُلمز بعبارة:( عيب تشتين تلاحقين الرجال)، لم نكن نفهم لما تقال لنا تلك العبارة، وكنا نحبس حنقنا بغضب، ونحاول معه إلتقاط الصورة من بعيد،
كنت أسأل نفسي لماذا يحدث هذا معنا نحن الصبايا،وصبايا هنا ليست بمعناها الشائع ولا بمعناها اللغوي الدقيق، وإنما جاءت لنفس السبب الذي وردت لأجله مفردة أصبية ، كنا نُحرم من خوضِ التجربةِ التي أتحسَّرُ عليها حتى اللحظة، فقد كنا نتوق لرؤية وجه ذلك الرجل المتخفي بزي امرأة، لكن ذلك لم يمنعنا من متعة المشاهدة ، ولم يكن حائلا بين جمال الحدث والذاكرة التي تحتفظ بذلك الجمال.
من طقوسنا الجميلة.