جنازات غانا… رقص وموسيقى وأجواء مليئة بالفرح “تفاصيل مثيرة”
معين برس- كتبت/ خديجة الطيب:
يؤمن سكان غانا بالحياة بعد الموت، لذلك هم يحتفلون بلحظة توديع المتوفي بطقوس غريبة متوارثة منذ القدم، فهم يرقصون في الجنائز على وقع الموسيقى التقليدية الصاخبة ويرتدون الملابس ذات الألوان المبهجة، ويصنعون توابيت غريبة الشكل، ويُجلسون المتوفي في كامل أناقته ليحدثوه عن مشاعرهم وما ينتظره في الحياة الأخرى.
وتُعدّ الجنازات في غانا، الدولة المحورية في غرب أفريقيا من المناسبات الاجتماعية المهمة، تستعد العوائل لها وكأنها عرس حتى لو تطلب الأمر تأجيل موعد الجنازة لأسابيع وإيداع المتوفي براد الأموات، فكل ما يهمهم هو توديع الراحل في جو احتفالي، فهم يؤمنون بأن الموت وقت للفرح والبهجة وليس وقتاً للحزن والحسرة.
يشارك الجميع في طقوس الجنائز، خصوصاً في القرى التي ما زالت تتمسك بهذه الطقوس، بدءاً من التخطيط للجنازة واختيار النعش، مروراً بالحفل الرئيس الذي يقدم طبقاً تقليدياً عبارة عن عجين الذرة مع صلصة حارة جداً، وانتهاءً بحمل النعش والرقص به طوال المسافة بين بيته ومكان الدفن.
إجلاس الميت
وتُعتبر لحظة إخراج الميت من النعش وإجلاسه وتجمُّع العائلة حوله لحظة فارقة في مراسيم الجنازة، فيتبارى الجميع للحديث إليه وتقديم شهادات حول علاقتهم به وما يتمنون له في الحياة الأخرى.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث الغاني سنغا سيسي “الغانيون يودعون فقيدهم بطريقة كلها بهجة، فهم يؤمنون بأن إيصاله في رحلته الأخيرة إلى الجنة يجب أن تكون مليئة بالفرح والسعادة والطاقة الإيجابية”.
ويضيف “هذه الطقوس متوارثة منذ القدم خلال تشييع الموتى، وعلى الرغم من أنها ستبدو غريبة وصادمة لكثيرين، إلا أنها طقوس مقدسة لدى الغانيين”، ويشير إلى أن هذه التقاليد تخفف على أهل المتوفي حزنهم، في حين أن التخلي عنها يُعتبر بالنسبة إلى البعض بمثابة التخلي عن وداع الميت في رحلته الأخيرة.
ويؤكد أن هذه الطقوس رفعت تكلفة تنظيم الجنائز، خصوصاً بعد استحداث بعض الطقوس والاستعراضات التي لم تكُن ضمن التقاليد سابقاً، كالنعوش المزخرفة والفرق الشبابية ذات الملابس الموحدة التي تحمل النعش إلى المقبرة.
سوق الجنازات
ويتواصل قرع الطبول الأفريقية وجولات الرقص والأغاني الشعبية طيلة يوم التشييع، سواء أثناء إعداد الطعام من قبل النساء أو حين حمل النعش، وتتوقف هذه الطقوس فقط خلال فترة حديث المؤمنين إلى الراحل.
وقد خلقت هذه الطقوس سوقاً رائجة للجنائز تدر أرباحاً طائلة على الشركات المتخصصة في مثل هذه المناسبات، إذ أسس بعض الشباب العاطلين من العمل فرقاً لحمل النعوش والرقص بها لمسافات طويلة، وآخرين أطلقوا العنان لأفكارهم في تصميم توابيت غريبة الشكل تعكس المحيط الأسري والعملي الخاص بالميت.
فمن كان يعمل بجمع حبات الكاكاو أو تقطيعها، يُصنع له تابوت على شكل حبة كاكاو عملاقة، ومن كان يعمل سائقاً يُصنع له تابوت على شكل سيارة، والصياد يُصنع له تابوت على شكل قارب. وتتباين دقة صنع التوابيت بحسب ما يطلبه أهل الفقيد أو ما يفرضه الصانعون الذين يبدعون في خلق توابيت جميلة.
كورونا يوقف الفرح في الجنائز
ولم تتأثر قارة أفريقيا بانتشار فيروس كورونا إلا أخيراً بعد قرارات السلطات الغانية منع التجمعات وتعليق كل أنواع الطقوس، التي عادة ما ترافق الجنائز وتستمر في بعض المناطق لسبعة أيام، وتشهد حضور آلاف الأشخاص من المعزين.
وعلى الرغم من الخسائر المادية التي سيتكبدها منظمو الجنائز بسبب هذه القرارات، إلا أنه لا شيء يضاهي حزن أهل الميت الذين كانوا يودّون وداعه كما ألفوا في أجواء البهجة والفرح، وأصبحوا ملزمين بمراسم وداع “أكثر حزناً”.
وتُعتبر غانا من المناطق القليلة المأهولة في غرب أفريقيا منذ أكثر من ألف عام، ويبلغ عدد سكانها حوالى 27 مليون نسمة، وهم خليط يشمل جماعات أفريقية متنوعة إثنياً ولغوياً واجتماعياً، أما غالبية سكانها، فمن المسيحيين بنسبة 71.2 في المئة، فيما تُقدّر نسبة المسلمين بـ23.6 في المئة، بينما يمارس 5 في المئة من السكان الأديان التقليدية المحلية.
المصدر: أندبندنت عربية