المهمّشون في اليمن.. قصة الضياع التي لم ترى النور بعد “تحقيق”

معين برس- تحقيق/ سامي الشاطبي:

مكنون: اسمع كلمات ازدرائية من مثل خادم وعبد ومهمش يوميا وكأنها وجبة يومية مُرة وحامضة!

د. عادل الشرجبي:ضعف المهمّشين واستسلامهم لأوضاعهم وهيمنة الموروث القبلي اليمني القائم على التمييز بين اليمنيين على أساس طبقي بعض الاسباب

غفر: أقدم عدد من الشباب مستغلين ضعفنا نحن المهمّشين باختطافي وأخذي إِلَى منطقة سعوان –شمال العاصمة وتناوبوا عليّ!!

ممثل المهمّشين في مؤتمر الحوار: تعرضنا لقرون عدة للظلم والازدراء والامتهان وننظر لمؤتمر الحوار بعيون المنقذ وعدم انصاف مخرجات الحوار لنا يعني انتحاراً جماعيا!

قناف كرو: صار اليمنيون الأصل مجرد مهمّشين وأخدام ..وغيرهم .. من يعجز عن اثبات أصله لألف عام ولو بأي وثيقة هو الأصل!

تبنى بيوتهم والتي تسمّى بـ(العشش) من علب الكرتون والصفيح وفي العادة لا تزيد عدد الغرف عن غرفة واحدة تقطنها الأسرة كلها.

يحسدونهم الناس على صفاء ذهنهم واستقرارهم النفسي ..لا تعرف قوامسيهم كلمات من مثل (صعوبة الحياة) ( مرارة المعيشة)

محمد سعد: نحتاج إِلَى ان تتغير نظرة الناس لنا باعتبارنا مواطنين فئة خامسة

أحذر ..
أنت تخوض في منطقة شائكة ..!!

زهاء (30) مليون هم عدد سكان اليمن، (3) مليون منهم خارج كل ما هو حق لهم في الحياة والمواطنة ككل اليمنيين في مشهد محزن يعيد للأذهان صور الاستبعاد والاسترقاق، حتّى انهم ولشدة تمييز المجتمع لهم يسمّونهم بالمهمّشين (الأخدام) ..المجتمع يرفض اندماجهم.. يعانون من الازدراء والإقصاء..يعيشون وفقاً لإحصائية صادرة عن اتحاد المهمّشين اليمنيين في تجمعات عشوائية معزولة ..في أطراف المدن وفي القرى النائية، في منازل (عشش) من الصفيح والأكواخ الخشبية..يعملون غالباً وبأجور زهيدة في مهن يعتبرها المجتمع دونية كتنظيف الشوارع وغسل السيارات والمجاري…القصة ليست مفجعة، لكِنّها صادمة ومحزنة وباعثة على الحيرة!

فماذا عن هذه الشريحة.. تاريخهم.. لماذا يتعرضون لامتهان المجتمع ..يتذوقون مرارة العنصرية..أين يعيشون بالضبط..لماذا لا يندمجون في المجتمع..نوعية قصص ازدرائهم وامتهانهم؟.. يرصد هذا التحقيق قصة هذه الشريحة كما وردت على لسان بعضهم..فأهلاً وسهلاً بكم إِلَى كل هذا الحزن المنتشر على عشوائيات وأزقة اليمن:

بين يدي البدايات:

اليمن بلد يرزح تحت وطأة تعقيدات سياسية وأمنية واقتصادية حسّاسة تودي بالدولة إِلَى تكريس مواردها وإمكانياتها لترحيل قضيتهم لحساب معالجة القضايا التي لا تمسهم، ومع ازدياد الاوضاع سوءً تزداد معاناتهم.. ولا أمل – رغم تفاؤل المنظمات الإنسانية- في إصلاح أوضاعهم، والحد من العنصرية بحقهم، بإجراءات ملموسة.

تناقضات:

بالرغم من أنَّ الدستور اليمني يحظر التمييز ضد أيّ شريحة من شرائح المجتمع، إلاّ أنّ الواقع يروي قصة مختلفة كليا.. قصة تكريس الإقصاء بحقّهم، وهو اقصاء ممتد وممنهج منذ قرون طويلة.. اما ما يزيد الطين بله ان القوانين والتشريعات اليمنية، تتعمد عدم الاعتراف بحقوقهم، بحجة ان المشكلة تكمن في البعد المعرفي والمجتمعي تجاههم..ولهذا البعد بحسب الباحث الدكتور عادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء اسبابه ومنها ضعف المهمّشين واستسلامهم لأوضاعهم وعدم سعيهم لتغييرها.. هيمنة الموروث القبلي اليمني القائم على التمييز بين اليمنيين على أساس طبقي متوارث..وأسباب اخرى يتداخل الاجتماعي فيها بالسياسي.

تاريخ مجهول:

على مرأى ومسمع العالم يخوض عدد كبير من الباحثين والمؤرخين اليمنيين جدلاً حول الاصول التاريخية للمهمشين ويشتهرون أيضاً بـ(الأخدام) من دون ان يصلوا إِلَى نتيجة تاريخية مقنعة، فمنهم من يرى بانهم من قام سيف بن زين بنفيهم، لانهم رفضوا خوض الحرب معه ضد الاحباش وأصبحوا بقرار منه مهمّشين، ومنهم من يرى ان أصلهم يعود إِلَى بلاد الحبشة مستنداً إِلَى المعلومات التاريخية غير الدقيقة.

وامام هذا الاختلاف البيّن في تاريخهم كان سؤال المعنيين انفسهم مخرجاً، ولكن غالبيتهم وللأسف لا يلتحقون بالتعليم إلاّ بشكل نادر، وأغلب الأسر تدفع أبناءها إِلَى الشوارع للعمل والتسول..!

انقلاب الحال:

قناف كرو أحد قاطني عشوائية في مديرية الحصبة شمال صنعاء ويعتبر الأبرز من بين اقرانه كونه تدرس حتى نهاية المرحلة الاعدادية.

نحن يمنيون..عمرنا في اليمن أكثر من ثلاثة الف عام ..يقال بان سيف بن ذي يزن همّشنا لأننا لم نشارك في حروبه …ولكنّ الحقيقة اننا نأينا عن الدخول في صراع دموي ادرك أجدادنا جيداً بأنه لم ينالهم منه سوى الموت والدمار ..وبناءً على ما ذكرت انظر في تاريخ اليمن ستجد بان الكثير من القبائل اليمنية والسادة وسكّان المدن يختفي تاريخهم الى ما قبل الف عام …لقد صار اليمنيون الأصل مجرد مهمّشين وأخدام ..وغيرهم .. من يعجز عن اثبات اصله لالف عام ولو بأي وثيقة هو الأصل!

مضحكات:

برغم كل ما يتعرض له المهمّشين من تمييز وعنصرية أقلها رفض غالبية المجتمع حصولهم على مقاعد دراسية في مختلف المراحل التعليمية ورفض العمل معهم في وظائف الدولة الاّ انهم يعتبرون أسعد الشرائح!

قد يبدو هذا تسويفا لكن الله على كل شيء قدير، فهؤلاء الناس الذي يعاني غالبيتهم من أحوال معيشية ضنكا تكدر صفو حياتهم يحسدونهم على صفاء ذنهم واستقرارهم النفسي ،حيث لا تعرف قوامسيهم كلمات من مثل (صعوبة الحياة) (مرارة المعيشة) الخ.. الأطرف انهم رغم كل ما يتعرضون له تجدهم لا يخافون من المستقبل.. يعيشون يومهم بصدق وحب وبكثير من الامل بتوفر الخبز ووريقات القات –مادة شبه مخدرة- مشهورة بتناولها على نطاق واسع في اليمن.

يقول الشاب محمد سعد ويعمل كعامل نظافة في وزارة الثقافة : مشكلتنا لا تكمن في القوانين والتشريعات فإقرار القانون الذي يعطيهم حقوقهم لن يحميهم من نظرة المجتمع السيئة تجاههم.. نحتاج إِلَى ان تتغير نظرة الناس لنا باعتبارنا مواطنين فئة خامسة ..ولكننا مع ذلك وبرغم كل ذلك سنظل سعداء مقتنعين بما نجني ونحصد..واملنا في تغيير تلك النظرة المسيئة بحقنا!

رق وعبودية:

لعل اخطر ما في قصة من يسمّيهم المجتمع اليمني بالأخدام من باب الاحتقار –يفضلون بحسب تصريح قيادة اتحاد المهمّشين اليمنيين ان يطلق عنهم بـ(المهمّشون) قضية استرقاقهم واستعبادهم خاصة في مدن كبرى كالحديدة وحجة.. فحسب المنظمات وقعت اكثر من (234 حالة استعباد واسترقاق في مدينة حجة وتحديدا منطقة (كعيدينه) و(233) في مدينة الحديدة وتحديدا في منطقة (الزهرة )..يشترون ويبيعون فيهم وكأنهم… يا للهول!

الغريب ان الحكومة اليمنية وبتصريحات متكررة تعرف ذلك لكنها ولسبب اكثر من مجهول تغض الطرف!

عام الانفراجات:

شكل العام 2012 عاما هاما بالنسبة للمهمشين إذ شهدت اليمن المرحلة الانتقالية وتدشين مؤتمر للحوار الوطني اليمني برعاية خليجية ..ضم مختلف شرائح اليمن..ومرد اهمية هذا المؤتمر ان اوجد قدما للمهمشين ليقدموا قضيتهم .. اختير نعمان الحذيفي ممثلاً للمهمشين في مؤتمر الحوار الوطني..وكان للمهمشين ولأول مرة عبر تاريخهم الطويل صوتا وتمثيلا وحضورا أيضاً وقد تمكنوا من استخراج قرار بتمثيل المهمّشين بنسبة 10% في الوظائف العامة وبإجماع 100% من فريق الحقوق والحريات بالمؤتمر.

انتصار اولى:

وقائع استبعاد المهمّشين من الوظائف الادارية والعسكرية كثيرة، لكنّ استبعاد الأجهزة الأمنية قبل عدة اشهر لـ 18 طالباً من المقبولين في الكليات العسكرية كونهم من فئة المهشمّين (الأخدام) وبصورة تمييزية فاضحة لم تمر كسابقاتها مرور الكرام..إذ ان تمثيلهم في المؤتمر انتصر لحقهم في الوظائف الادارية والعسكرية مستندين في ذلك إِلَى المادة (40) من الدستور والتي تحظر “تسخير القوات المسلحـة والأمن والشرطة وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة ويجب صيانتها عن كل صور التفرقة الحزبيـة والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية وذلك ضمانًا لحيـادها وقيـامها بمهامها الوطنيـة على الوجـه الأمثل ويحظر الانتماء والنشاط الحزبي فيهـا وفقـاً للقانــون”
يؤكد نعمان الحذيفي..رئيس اتحاد المهمّشين وممثل المهمّشين في مؤتمر الحوار: بان هذه الشريحة والتي تعرضت لقرون عدة للظلم والازدراء والامتهان تنظر لمؤتمر الحوار بعيون المنقذ لما لحق بهم من ظلم وتمييز ..واعتبر ان عدم انصاف مخرجات الحوار لهم يعني انتحارا جماعيا لهم!

كل يوم:
لا أمل بارتقاء ثقافة المجتمع ..فمازلت العنصرية هي الوجبة اليومية التي يقتاتها غالبية المهمشين …يقول (مكنون محسن)..كل يوم صباحا اخرج للعمل -عامل نظافة- في شارع الزبيري بمنطقة التحرير بالعاصمة صنعاء ..لا يهم التعب والجهد الذي ابذله، بل ما يوجعني حقيقة هو معاملة الناس…ونظرتهم الدونية.. اسمع كلمات ازدرائية من مثل خادم وعبد و…يوميا وكأنها وجبة يومية مرة وحامضة ..اعتدت عليها..

المرأة آلة:
عملهن في النظافة وخاصة في فترات تقترب من الليل يعرّضهن للعنف والمضايقة بشكلٍ متكرر ..
واقعة مؤلمة حكتها (غفر) شابة من المهمّشات …أتمتع بجمال نسبي من بين اقراني ولذلك أصير عرضه للتحرش من قبل اليمنيين..قبل عام أقدم عدد من الشباب اليمنيين مستغلين ضعفنا نحن المهمّشين باختطافي واخذي إِلَى منطقة سعوان –شمال العاصمة- وتناوبوا عليّ ..بعد مدة اكتشفت باني حبلى..وبرغم اني شكوت للسلطات ما وقع لي ومعرفتهم بمكان المختطفين الاّ انهم لم يحركوا ساكناً…بل على العكس قاموا بالقبض عليّ وسجني مدة أسبوعين ..لم أجد بد سوى اسقاط الجنين وقمت به بعملية بدائية كادت تدمرني!

مساكن ومدن:
ينتشر المهمّشين في مدن اليمن ويتركزون بالأخص في صنعاء (عصر ومنطقة باب اليمن ومنطقة التحرير) وفي مدينة تعز في (سوق الصميل) وفي مدينة عدن في (دار سعد) وفي مدينة الحديدة في (وادي مور) وفي مدينة حضرموت في (حي الحرشيات) ..
تبنى بيوتهم والتي تسمّى بـ(العشش) من علب الكرتون الكبيرة والصفيح والعلب الفارغة وفي العادة لا تزيد عدد الغرف عن غرفة واحدة تقطنها الاسرة كلها.. يسمون العشوائيات التي يسكنون فيها (محوى) وهي كلمة تشير إِلَى المستنقعات وأماكن تموضع الحيوانات البرية كالكلاب والقطط..

بعد طول صبر تحققت احدى امنياتهم في حصولهم على سكن فمع مطلع العام 2000م قامت السلطات المحلية وبدعم دولي من بناء (2500) وحدة سكنية لهم في منطقة(سواد سعوان)على اطراف صنعاء وتم نقلهم اليها من عدة مواقع هي باب اليمن، عصر، شارع 45 وبالمقابل إزالة العشش منها..برغم كل ذلك إلاّ ان بعض العشش مازالت قائمة!

منظمات
تعمل العديد من المنظمات الإنسانية الحالية على تحسين أوضاع هذه الشريحة ودمجهم في المجتمع وإنهاء مظاهر التمييز بحقهم عبر دعوات الداعمين الدوليين والحكومة..ويتكثف نشاطهم في اصدار النشرات وبعض الافلام الوثائقية القصيرة ..اخر هذه الافلام فلم وثائقي قصير تحت عنوان (هويّة مجروحة) انتج بدعم من مكتب الامم المتحدة باليمن وأخرجه المخرج عصام العبسي.

بين يدي النهايات:

قصتهم مؤلمة وتدعو للبكاء ..العالم يواجه دعواتهم بالصمت..الحكومة لا تُدخل قضيتهم ضمن اجندتها او اولوياتها..المجتمع يحتقرهم..موجز قصتهم تتلخص في انهم بشر ظلمتهم اليمن إلى حد بشع..بشع!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى