محمد جميح يكتب: اليمن يجوع
بقلم : محمد جميح
هند الصغيرة ماتت قبل أيام من الجوع!
هند الطفلة التي هجَّرتها الحرب-التي لا هي حُسمت ولا هي توقفت-ماتت من الجوع!
وأين؟
في عدن، حيث مقر الحكومة الشرعية، أو ما يفترض أنه مقرها.
وحيث مقر لجنة الإغاثة، وحيث مليارات الريالات التي صُرفت باسم الإغاثة وإعادة الإعمار، وذهبت إلى جيوب الفاسدين، فيما ذهبت هند إلى الله بأمعائها التي مزقها الجوع.
أي حس لدى الحكومة؟
أي شعور لدى التحالف؟
أما الحوثي فمفروغ منه، لأنه يمثل تجسيداً للثالوث غير المقدس في اليمن: الفقر والجهل والمرض.
لكن دعونا من الحوثي الذي يوجد شبه إجماع على كارثته، دعونا هنا نستحضر صورة وزراء، محافظين، قادة عسكريين، وسفراء يتمشون في عواصم العالم، وبلدهم يموت من الجوع والحرب!
ألا يستحون وهم يلتقطون لبعضهم الصور خارج بلادهم، في الأسواق والمنتزهات والمطاعم وصالات الفنادق، ويعرضونها على وسائل التواصل، فيما شعبهم يتضور من الجوع؟!
ألم يقل لهم أحد: إذا بليتم فاستتروا”؟!
أقسم بالله أن على سِنَّة القلم من الكلام ما يستحقونه وأكثر، لولا عفة القلم واللسان!
عشرات آلاف المقالات والمنشورات والتغريدات، تمرون عليها مرور الكرام، وكأنها لا تعنيكم، وكأن اليمن ليست على الخارطة، وكأنكم “حكومة ظل” لا تتحمل أية مسؤولية!
علام أنتم مسؤولون إذن؟!
قوموا بواجبكم أو غادروا مناصبكم، أما عقد الاجتماعات لمناقشة الوضع الاقتصادي، وتشكيل لجان اقتصادية، فهذه مسرحيات لم تعد تنطلي على “عجوز الحي”!
تريدون من الناس أن تقاتل لتهيء لكم مقاعد عودتكم؟!
تريدون من الشعب أن يصوم لتفطروا، أن يموت لتعيشوا؟!
من أية طينة طبعت قلوبكم القاحلة؟
ستقولون التحالف، وسنكون معكم ضد التحالف إذا واتتكم الجرأة على مغادرة فنادقكم وفللكم التي وفرها لكم التحالف، لتنعموا بالعيش فيها ناسين “هند” التي ماتت من الجوع.
سنكون معكم إذا خاطبتم التحالف بندية من يعتمد على شعبه، ويخاطب العالم بمنطق المسؤولية.
أما أن تمتلئ بطونكم بأموال الفساد، أما أن تحرصوا على امتيازاتكم ومناصبكم، أما أن تقابلوا مسؤولي التحالف بكل استخذاء، أما أن تظلوا في الرياض وأبوظبي والقاهرة واسطنبول، فمستحيل أن تواتيكم شجاعة الفرسان، لتقولوا للتحالف إن بلدكم يموت، وأن العربة خرجت عن سكة الحديد.
أهنتم كرامة اليمنيين، وشوهتم صورة شعب من أنبل الشعوب وأذكاها، وأقدرها على الصبر والتحمل…
قاتلكم الله…
اخرجوا يا نزلاء الفنادق من الفندق، أطلَّوا قليلاً من الشرفة على أوجاع الناس، انسحبوا أيها اللصوص من حياتنا، اخرجوا أيها الفاشلون الفاسدون من هذه الحفلة التنكرية التي مثلتم فيها على الشعب أنكم تحاربون من أجله ولمصلحته.
وأنتم أيها الكهنة الحوثيون، أيها السلاليون المحنطون، عودوا إلى طَيّات الكتب الصفراء التي خرجتم منها، بعد فشلكم الذريع في كل شيء، إلا في نهب الناس بالجمارك والزكوات والأخماس والضرائب، وصندوق الشهيد، والمجهود الحربي، وغيرها من خرافات الكهان.
وأنت أيها التحالف: إما أن تُحسم هذه الحرب، أو فلتتوقف، أما أن تستمر بهذا الشكل، فهذا جعلها مرتعاً للارتزاق من كافة الأطراف. برهن يا تحالف على “إعادة الأمل” بفتح الموانئ والمطارات، دع النفط والغاز يتدفق في عروق اقتصاد البلاد، كُفَّ عن تشكيل المليشيات غير المنضبطة، فلم نرفض مليشيا الحوثي لنرحب بغيرها من المليشيات، لن نقبل بأن تكون بلادنا مسرحاً للعبث، إما أن تصدق النوايا، أو فليترك لليمنيين مهمة مواجهة مصيرهم بأنفسهم، وهم الأكثر إقداماً في الحرب، والأكثر حكمة في السلام.
أما من كانت لديه أوهام حول اليمن، فعليه أن يراجع تاريخ اليمنيين القريب، قبل القديم…
ونعود لهند التي فاضت روحها في عدن جوعاً، لنذكر أن روح صنعاء بلغت الحلقوم، ورجل الأعمال الذي كان يتبرع بالملايين للفقراء، والذي فجر الحوثيون منزله في القرية، وسيطروا على فلته في العاصمة، بعد أن طردوا أسرته منها، واعتقلوه ليموت بعد ذلك مقهوراً بسكتة قلبية، هذا الرجل النظيف تغلق أسرته بابها-اليوم-حياء من أن يراهم أحد وهم لا يملكون قيمة علبة فول.
تصوروا أن هذه هي حال من كانوا ينفقون الملايين على الفقراء، وتخيلوا إن استطعتم: كيف هي حال الفقراء اليوم؟!
أليس هذا هو قهر الرجال يا حوثيون؟
أليس هذا هو ذل العزيز يا حكومة؟
أهذه هي “إعادة الأمل” يا تحالف؟
اليمنيون شمالاً وجنوباً يتضورون جوعاً وأمراء الحرب، والفاسدون مالياً وأخلاقياً يلعبون بالأموال خارج البلاد!
ويوماً بعد آخر تقترب الحكومة من أخذ صورة “الانقلاب الحوثي”، ويوماً بعد آخر يقترب التحالف من أخذ صورة “الحكومة العاجزة”، وأما الحوثي فلا يقترب إلا من صورته هو: صورة اللعنة النازلة والكارثة الماحقة.
أما أنت يا هند، وأنتم يا نازحي الحديدة، يا فقراء حجة، يا أمهات معتقلي عدن، يا أبناء مأرب وشبوة، ويا أهل حضرموت الذين تتضورون جوعاً، فيما محافظاتكم تعوم على بحيرات النفط والغاز، أما أنتم يا أبناء صعدة الذين تقتلون مرتين، يا سك
ان الحواري الخلفية في صنعاء، يا من أغلقتم عليكم الأبواب، لتموتوا من الجوع والقهر، أنتم يا أهل تعز ولحج، أنتم أيها اليمنيون البسطاء شمالاً وجنوباً، فثقوا أنكم منتصرون، فيما سيذهب كل هؤلاء الفاسدين إلى الحجيم، وكما انتصرتم على الإماميين القدماء، ستنتصرون على الإماميين الجدد.
وكما لم يذكر التاريخ تلك الكائنات “الزنخة”، التي كانت تجمهر نهاراً، ثم تذهب للإماميين في الليل، إبان ستينيات القرن الماضي، فإنه لن يذكر تلك الكروش المنتفخة، التي تتناول الغداء مع الشرعية، ثم تذهب لتناول وجبة العشاء مع الحوثيين. مثل هذه الكائنات سيمر عليها التاريخ دون ذكر، لكن التاريخ سيذكر القشيبي والشدادي والصبيحي كما ذكر الزبيري والنعمان ولبوزة، في صحائف النور الخالدة.
لكم الله أيها اليمنيون، “وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون”..