تدمير ميناء المخا التاريخي وفينومينولوجيا الخراب الحوثي

مصطفى محمود *

تمارس المليشيا الحوثية تدميرا استراتيجياً يهدف الى تحقيق القتل الروحي الذي يحول أصالةَ الحياة إلى سرابٍ، من شأنه أن يخلق داخل كل يمني إحساس مميت بإظهار الوجود في حالة عدم، فالخراب والعدم يتقاطعان لحظة الضياع الروحي لمعاني الإنسان. فعندما يمارس الحوثيين القتل والتدمير فأنهم لا يحققون ضياع اليمنيين فحسب، بل ايضاً يخلقون داخلهم رعبا مستفحلاً.

لقد عملت السطلة المحلية بمحافظة تعز والمقاومه الوطنيه في الساحل الغربي شهوراً طويلة وبأمكانيات محدودة من اجل تأهيل ميناء المخا التاريخي، لكن الحوثيون قاموا بتدميره، قبيل افتتاحه بيوم واحد اطلقوا صاروخا باليستياً دمر الميناء بشكل كلي ودمر معه فرحة ابناء المخا والمناطق المجاورة، وبساعة واحدة دمر الحوثييين ما تم بنائه باشهر طويلة من قبل السلطة المحلية والمقاومة الوطنية في الساحل الغربي.

اعتقد ان الكثيرين من المحللين والسياسيين سيرجئون قصف الحوثيين لميناء المخا إلى دوافع سياسية، ولا يمكن لهم ان يتصوروا ان غاية الحوثي القصوى تحقيق الدمار بحد ذاته.
وإن ظهر للمحللين اسباب ودوافع اخرى فهي ثانوية بالنسبة للحوثي، إذ ان الخراب عقيدة حوثية ضاربة جذورها في بنية الفكر السلالي الذي تبناه الحوثي وهي عقيدة محمية داخل كهوف نصوصها وخطاباتها المقدسة.

لقد تم تأهيل ميناء المخا ليستوعب مايقارب الف وخمسمائة عامل وعاملة كمرحلة اولى وكل فرصة عمل في الميناء تعني إعالة اسرة متوسط افرادها خمسة افراد، وبمعادلة رياضية بسيطة قصف الميناء يساوي تدمير حياة خمسة مليون مواطن يمني وحرمانهم من العيش الكريم داخل وطنهم، ناهيك عن حرمان المحافظة من التنمية التي ستساهم فيها ايرادات الميناء.

ان الخراب والدمار في نهج المليشيا الحوثيت ليس مُعطى مادياً ولا وضعاً ثابتاً لأنَّه لا منطقَ له. وانما ظاهرةُ احتضارٍ خلال الغسق الثقافي للسلاليين الذي وصفه ابن خلدون بجملة واحده “إذا تغلَّب العرب على أوطان أسرَعَ إليه الخرابُ”، ولا يخلو ذلك من نفس الوسائل بالنسبة لجماعة الحوثي السلالية، لأنها امتداد لجرائم سبعون إماما سلاليا خلال الف عام وورثت أبعاد الثقافة الاجرامية التدميرية، ومارست المفاهيم نفسها تجاه حضارة اليمنيين.

ان للخراب أثر زماني ومكاني فاجع، يمارسه الحوثي بحق المجتمع اليمني كالعهر الظاهر. فلا ينفصل عن صور هو تاركها بشكل مزرٍ. اغرق اليمن ارضا وانسانا في مستنقع الدم والدمار والدموع، فالمدن اليمنية أصبحت أحدى صور الموت. لا يوجد سوى الدم المراق بلا إنسانية.

والخلاصة لن يكف الحوثي عن قتلنا وتدميرنا واحدا تلو الآخر حتى ينهي وجودنا وانسانيتنا ويسحق كرامتنا، واذا لم نعي خطورة شتاتنا ونتجاوز خلافات الماضي بشجاعة ووطنية، ونوحّد صفّنا الوطني لنكسب الحاضر والمستقبل، سوف نخسر المستقبل قبل الحاضر..

  • كاتب من اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى