الولاية بين الحقيقة والخيال..!! “قراءة تحليلية”

محسن فضل *

يوم الغدير أو كما يعرف بيوم الولاية هو عيد ديني تحتفل به بعض الطوائف الإسلامية الشيعية كالإثني عشرية والزيدية والعلويين والإسماعيليين .

ولم يذكر أن المسلمين عامة سواءً في عهد الخلافة الراشدة أو في عهد الدولة الأموية وكذلك الدولة العباسية – العصر العباسي الأول وحتى منتصف العصر العباسي الثاني – قد احتفلوا بهذا اليوم لأي سبب كان .

حتى ظهرت الدولة البويهية منتصف القرن الرابع الهجري نهاية العصر العباسي الثاني سنة 934م ، على يد أبو الحسن علي بن بوية ، الذي كان أول من أمر بأن يحتفل المسلمون بيوم 18 ذي الحجة من كل عام ، بذكرى تولية علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، لأمر المسلمين من بعد رسول الله صلى الله وعليه وسلم .

وإذا رجعنا للبحث في أصول أبو الحسن علي بن بوية ، وحكام الدولة البويهية ، سنجد أن نسبهم يعود إلى الملوك الساسانية ، ملوك دولة فارس التي تهاوت تحت ضربات سيوف العرب الفاتحين لبلاد العراق وما ورائها .

إلى أن جاءت الدولة الفاطمية عام 973م ، التي أحيت مجدداً الاحتفال بيوم الغدير 18 ذي الحجة ، في عدد من البلدان كالشام ومصر ،  وشجعت الاحتفال به في شتى البلدان العربية والإسلامية ،  فيما عرفت اليمن أول احتفال بيوم الغدير في عهد الدولة القاسمية سنة 1600م ، وقد ظل الأئمة القاسميين ومن بعدهم الأئمة الزيدية يحتفلون بهذا اليوم حتى قيام ثورة 26 سبتمبر المجيدة عام 1962م .

(2) 

الحقيقة تقول إن يوم الغدير لم يذكر لا في نص قرآني ولا في السنّة ، وحتى نكون محايدين في تناولنا لهذا الموضوع ، سنأخذ بما جاء في روايات المسلمين الشيعة ، ونبحث ما إذا كانت هذه الروايات تنطبق مع الواقع أم أنها ليست كذلك ؟؟

تقول كتب الشيعة وهي كثيرة ومتطابقة في حديث الغدير ، إن الرسول محمد صلى الله وعليه وسلم ، بينما كان عائداً من حجة الوداع في السنة الـ 10 للهجرة ، توقف والمسلمين في مكان يسمى غدير خم ، وقام خطيباً على أقتاب الأبل ونادى بالمسلمين قائلاً : ” أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات ، ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. “

ثم قام المسلمون يهنئون ويبايعون علياً ابن أبي طالب ، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر ، وجاء في رواية أن عمراً ابن الخطاب قال لعلي : ” بخ بخ لك يابن أبي طالب ، لقد أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .”

ولكن من وجهة نظري لو أسقطنا هذه الرواية على الواقع في حينه ، لتبين لنا أن هذه الرواية لا أساس لها من الصحة . لماذا ؟

تصور أن المسلمين كافة وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر قد بايعوا علي بن أبي طالب بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وتمت المبايعة في حضور الرسول الكريم ، ولكن بعد أن توفي رسول الله ” جميع المسلمين ” نقضوا بيعتهم لعلي ابن أبي طالب .

هل يعقل أنه بعد وفاة رسول الله ،  لا يوجد من بين الصحابة المسلمين  حتى صحابي واحد يمتلك الشجاعة والنخوة ويقول للمسلمين ، اخجلوا قليلاً ،  أن البيعة هي في علي ، وقد تمت وبايعناه أمام الرسول وفي حضرته ، وأن اختيار أبو بكر خليفة ليس إلا نقضاً للبيعة ، وخيانة لرسول الله.

وهل يعقل أن ابو بكر الصديق أوفى الناس ذمة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، والذي رفض مساومة المرتدين عن الإسلام بعد وفاة رسولنا الكريم بأي ركن من أركان الإسلام ، في الوقت الذي كان المسلمين في ضعف شديد وحالة اضطراب غير مسبوقة ، وجيش المسلمين موزع بين البوادي والقفار لمحاربة المرتدين ، بينما المدينة المنورة لا يوجد من يحميها سوى القليل من صحابة الرسول ، حينها أشار بعض الصحابة أن يعفي أبو بكر جماعة من المرتدين من الزكاة إلى حين ، حتى يسلم المسلمون شرهم ، إلا أن أبو بكر الصديق قال كلمته المشهورة :” والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه .” ،أيعقل أن يكون أبو بكر وفياً لرسول الله إلى حد محاربة المرتدين على عقال – حبال – ، أمثل هذا الوفاء قد يتراجع صاحبه عن بيعة هي في ذمته قطعها لعلي بن أبي طالب وبوجود رسول الإسلام؟؟

إن من لم يخن الرسول وهو ميت ، لا يمكن أن يخونه عندما كان حي.

(3)

في هذه الفقرة سنتطرق إلى ما بعد حادثة مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ومبايعة المسلمين لعلي كرم الله وجه من بعده.

بعد مقتل عثمان بن عفان ، وانقسام المسلمين إلى جماعتين ، الأولى بقيادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وترى هذه الجماعة تقديم البيعة أولاً على مطالبة القصاص من قتلة عثمان  ، والجماعة الثانية بقيادة معاوية بن أبي سفيان ، وترى هذه الجماعة ضرورة تقديم القصاص من قتلة عثمان على البيعة.

وفي خضم الانقسامات بين المسلمين التي أحدثتها مقتل عثمان بن عفان ، بادر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمراسلة معاوية بن أبي سفيان الذي كان حينها أميراً على الشام ، وقد جاء في رسالة علي إلى معاوية :”إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فان خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فان أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى.

ولعمري يا معاوية، لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أنى كنت في عزله عنه، إلا أن تتجنى، فتجن ما بدا لك! والسلام.
 
هذه الرسالة هي في كتب الشيعة ويعترفون بها ، والذي أريد أن أقوله هنا : هو أن القارئ المتمعن لمحتوى الرسالة ، ستُثبت له أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، كان رجلاً شوروياً ، لا طالب ولاية ، إذ قال :” بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ” ،وفي هذا يقّر علي بن أبي طالب أن تولية أمر المسلمين لا يكون إلا بالشورى ، والشورى هي بين كل الناس ، وليست ملكاً يُأخذ بالوراثة.

بل إن المتمحص لمحتوى الرسالة سيجد أن علياً رضي الله عنه ، كان أبعد الناس في التفكير بالولاية  ، بقوله :” إنما هي الشورى “.

ويطل علينا ابن أبي طالب بشجاعته المعهودة بقوله لمعاوية :” ليس للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد ” ، وكأنه بذلك يقول لمعاوية أنت الآن ملزم لي بالبيعة بعد أن بايعني المهاجرين والأنصار .

أستطيع أن أقول إذا كان هناك شيء لم يكن في بال علي بن أبي طالب في ذلك الحين ، ستكون هي ” الولاية ” وذلك لأنه لا أساس لها .

ثم هل كان علي بن أبي طالب سيقبل بالخلافة من بعد ثلاثة خلفاء ، في الوقت الذي كانت الخلافة قد آلت إليه قبلهم جميعاً وبايعه الجميع والرسول لايزال حياً ؟؟ لا أظن ذلك.

وإلى ذلك كله يجب أن لا نغفل الموقف العظيم والحكيم معاً للحسن بن علي رضي الله عنهما ، الذي تنازل بالخلافة بمحض إرادته لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، وذلك لأن الحسن كان زاهداً في الحكم أولاً وفي الحياة ثانياً ، ولم تطاوعه نفسه أن يتولى الحكم عبر سيل من دماء المسلمين.

ولو كان الحسن هو الأخر يعتقد أن الله قد خصهم بالولاية من بعد رسول الله ، لرأى أن التنازل بالخلافة لمعاوية معصية كبيرة وأثم عظيم وفيه مخالفة لأمر الله من فوق سبع سماوات.

(4)

في نهاية الحديث ، أقول علينا جميعاً أن نغادر ضيق الأفق ، إيماناً منّا بأن الإسلام هو دين العدالة والمساواة ، جاء لهداية الناس كافة ، ليضع جميع الخلق على صعيد واحد ، لا فرق بين عربي وأعجمي ، ولا فرق بين أسود وأبيض ، إلا بالتقوى والعمل الصالح ، وأن الإسلام جاء في أساسه لإنقاذ الإنسان من ظلم واضطهاد أخيه الإنسان ، وبمعنى أدق أن الإسلام الحنيف الذي ساوى بين بلال الحبشي وعبدالرحمن بن عوف لا يمكن أن يقبل أن يختص جماعة معينة على الخلق كافة.

* كاتب من اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى