ما سر السباق الإقليمي نحو اليمن..؟!. الــخـــــلاصــــــــة
مصطفى محمود *
تتسابق الدول الإقليمية، في استعراض عضلاتها لتقاسم الكعكة اليمنية، في حين لا تكفّ الوقائع الجديدة المأساوية عن فرض نفسها على الأرض. ومع تخاذل قوى الصف الجمهوري وتفكّكها، وبروز الإفلاس السياسي والأخلاقي، منقطع النظير، للمليشيا الحوثيه التي تصر على حكم اليمنين حتى على خراب اليمن وموت شعبها، لا أعتقد أنه لا يزال هناك أساس عملي ومادّي يضمن في إطار التوازنات الراهنة نجاح اي عملية مفاوضات تفضي الى سلام، فما بالك بالانتقال السياسي نحو نظام ديمقراطي جديد.
يدرك الحوثي انه سيخرج من الملعب السياسي اذا ماوصلنا الى مرحلة انتقالية وانتخابات نظرا لضالة وزنة الشعبي والجماهيري ولذلك يري الحوثي ان بقاءه كسلطة امر واقع مرهون بإدامة الحرب والصراع وبالتالي يفاوض من اجل استمرار الحرب والصراع لا من اجل تحقيق سلام عادل.
لكن الاعتراف بذلك لا يحل المشكلة، فمع استمرار العقم في المفاوضات الدولية، العلنية والسرية، وبطء ظهور صحوة وطنية يمنية يمنية، لن يحصل شيء آخر سوى ما يسفر عنه صراع القوى القائمة على الأرض. وما ظهر من استهتارٍ ملفتٍ للنظر من الدول المعنية بمصير المفاوضات، وسماحها بالتلاعب بالقرارات الدولية خلال السنوات الطويلة الماضية، يدل على أن الدبلوماسية الدولية لم تكن تعتقد، ربما منذ البداية، أو انها لا تريد أن تقوم من جديد دولة يمنيه موحدة، وليس مركزية فحسب. وأنها كانت تنتظر ولا تزال رسم حدود المناطق والإمارات البديلة بالدم.
كما هو واضح من خلال أحدى الإمارات الجنوبية القائمة، التي هي أيضا حدود مناطق النفوذ المنتظرة من الجميع. حيث يمكن أن تبدأ برعايتها وتحت إشرافها بعد ذلك التسويات/ المساومات بين النخب الجديدة المناطقية وحماتها، خارج المرجعيات الثلاث او أي مرجعياتٍ وطنية أو أممية. ففي غياب هذه المرجعيات وتأخر نشوء نخبة سياسية يمنيه فعالة وموحدة تضمن الحفاظ على الدولة، وتطرح نفسها بديلا للنخب المليشاوية الاجرامية تشعر الدول المتنازعة على النفوذ أنه لا توجد ضمانات للحفاظ على ما تسمميه مصالحها الخاصة، سوى بالتحالف مع من ينجح من القوى المحلية في فرض سيطرته في هذه المنطقة أو تلك.
نحن أمام ظاهرة تفكّك يمنية إلى مجموعة من الدويلات الخاصة، باستغلال كل الذرائع المناطقيه والطائفية والقبلية والدولية والاستراتيجية
لا يستدعي هذا المسار “البلقاني” الإعلان الرسمي عن إقامة دويلاتٍ تخضع للسيطرة المباشرة للدول المتنفذة، وتعتمد على حمايتها. كما لا يتناقض الحديث المكرّر عن ضرورة وحدة اليمن وسلامة كامل اراضيه مع ترك الأمور تنضج على نار هادئة، لكن حارقة بشكل أكبر لليمنيين الذين يعيشون على حافّة المجاعة، بانتظار أن تأخذ الصراعات مداها، مع الدعم العلني والسري لهذه الجماعة المحلية أو تلك، ومساعدتها على حل مشكلاتها الخاصة أو مع القوى والدول الأخرى.
لكن لا يمكن أن ننفي أننا أصبحنا منذ الآن أمام عدة مشاريع لما ينبغي تسميتها “إمارات الأمر الواقع”.
تبدو بلقنة المنطقه العربيه للمجتمع الدولي مخرجاً سهلاً، أو أسهل المخارج، من الأزمة التاريخية العميقة التي تضرب المنطقة لأسباب داخلية وخارجية
والواقع أن ما لم يعد من الممكن إعادة تأهيله، على الصعيد المركزي، أي نموذج نظام الجمهورية الوراثية، يسعى الجميع إلى تعويضه بنظم بديلة ومن النموذج البائس لسلطات حكم ماقبله، لكن على مستوى المناطق، وعلى شكل دويلات خاضعة لحكم المليشيات التابعة، المحلية والأجنبية، بما في ذلك بالطبع دويلة الرئيس هادي المتبقية من إرث الجمهورية، وهي أكبرها مساحة لكنها أكثرها تأزما وإشكالية، والتي يصعب حسم أمورها بوجود هادي، قبل أن تستقر أوضاع الإمارات الجديدة الأخرى.
هذه ليست استنتاجات أو توقعات، وإنما ما يحصل على الطبيعية أمام ناظرينا، وما يستطيع أي إنسان عادي من دون خبرة سياسية أن يكشفه بالعين المجردة، فنحن أمام ظاهرة تفكّك البلاد إلى مجموعة من الدويلات الخاصة، باستغلال كل الذرائع المناطقيه والطائفية والقبلية والدولية والاستراتيجية، وكلها تهدف لخدمة مصالح حماتها، ولا علاقة لأيٍّ منها بمراعاة مصالح ساكنيها،، يتبع،،
* كاتب من اليمن.