بشرى سارة.. انفجار يهز دار الرئاسة
محمد عبده الشجاع
بتلك العبارة أعتقد خطيب الساحة أنه قد انتصر لثورته السلمية حسب تصوره وأنه ينقل خبرًا سارا كواحد من ثمار الخروج إلى الساحات دون عمل اعتبار لكل الممكنات.
يومها كان النظام لا زال قائما وقد سبق الحادثة ترحيل مراسلي قناة الجزيرة الأجانب الذين جاؤوا بهدف استكمال سيناريوهات مشابهة في بلدان الربيع العربي وهذا ليس حديثنا الرئيسي.
إن “تكامل الأركان” في عالم الجريمة، واحد من أهم المصطلحات الخطيرة، إذ يبدو الأمر أشبه باقتلاع جذور شجرة، كانت تمنح ظلها للعابرين؛ واستحقاق كان يجب ألا يتم التنازع عليه وتدميره للأبد.
هكذا بدت حادثة جامع دار الرئاسة في أول جمعة من شهر رجب الحرام الموافق 3 يونيو/ 2011 والمفارقة العجيبة أن الاستهداف جاء في توقيت حرج ومكان للعبادة وليس مسرح لسفك الأرواح وإراقة الدماء.
الحادثة للأسف بُنيَ عليها فيما بعد مجموعة من الحوادث والتبريرات التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء منها حادثة تفجير (جنود الأمن المركزي) في ميدان السبعين في 21 مايو/ وهم يقومون ببروفة استعدادًا لأداء مهمة وطنية، كان مشهدًا تراجيدي مليء بالحزن والوجع وفاجعة خلفت أكثر من 120 بين قتيل وجريح.
تكرر الأمر في مُجمع الدفاع (العرضي) في ال5 من ديسمبر/ 2013، مجموعة من المسلحين والانتحاريين يقتحمون المجمع ثم يتجهون نحو مبنى مستشفى العرضي.
إذا نحن أمام أماكن وشخوص تم استهدافهم ببرود، قيادات سياسية ودينية وإدارية تمثل رأس الدولة، جنود وأفراد أمن أطباء، جرائم يستحيل أن يقوم بها إنسان سوي.
سبق ذلك حادثة 18 مارس/ أو ما سمي بجمعة الكرامة والتي انتهت بسقوط عدد من الضحايا وهي مفتاح لشرعنة العنف بكل الأساليب وإعطاء منطقية لكل ردود الفعل أيا كان حجمها لطالما كان الهدف منها ضرب الخصم وإسقاط مشروع الدولة.
لقد أدى غياب المشروع الحقيقي لدى القوى الثورية حينها إلى اجتراح كل أشكال العنف والمواجهة والتي حتما ستؤدي إلى سقوط النظام بحسب المخطط أيا كانت المآلات أو النتائج وهو ما حدث بالفعل.
اليوم يدفع الجميع ثمن الحسابات الخاطئة، والمدخلات التي كانت تمارس؛ ينفذها الحوثيون بحذافيرها وبنفس الأسلوب وابشع بحيث رفعوا سقف الجريمة ففجروا بيوت الخصوم وهي بالمئات واعتقلوا المعارضين وهم بالآلاف، وقاموا بعملية إعدام لحرية الصحافة والصحافيين.
ثمة مشتركات حين تكون النزعة النفسية مريضة وهو ما ينتج عنها بلد مفتت ونسيج مجتمعي ممزق، رغم كل الدعوات التي كانت تعمل على مواجهة العنف بالسلام دون جدوى.
الحقيقة وبالعودة إلى خطابات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح فإن ثمة رسائل كانت واضحة وجلية وثمة استشراف عن خبرة ودراية بما يحاك وبما سيكون عليه الوضع.
لقد كان صالح يدرك حجم المؤامرات والمخاطر داخليا وخارجيا وصرح بذلك بصورتين مباشرة وغير مباشرة لكن كان الزخم الثوري المدفوع بأدوات الضغينة والعنصرية والحقد وعدم إدراك لما يراد لنا يسير بمنهجية (الزحف) الغير قابل للعودة أو الجلوس على الطاولة بدلا من النزق نحو الهاوية وقد تابعنا أسماء (الجُمع) التي كانت تعد مسبقا بحرفية لإسقاط بلد والشعارات التي انتهت بانتهاء كل أشكال النظام والقانون.
إذًا حين يصبح قتل مجموعة من رجالات الدولة داخل دور للعبادة من قبل طرف أو فصيل يحمل كل المقومات المشتركة بينك وبينه من دين ولغة وهوية (بشرى سارة) هنا الأمر يتطلب وقفة جادة ويحتاج إلى وقفة تأمل حول أطماع وطموح ورغبات النفس البشرية.
نحن أمام حادثة لا يقبلها عاقل وحتى اللا ديني فما بالك بجماعة تدعي أنها تمثل أصول الدين وعلى أركانه تأسست.
بالنسبة لحادثة دار الرئاسة وما تلاها من قتل وصراع غير منطقي، وما سببته من آلام وتداعيات مخيفة لا يمكن حصرها ببساطة على مستوى المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي؛ تعد تاريخ فارق في حياة اليمنيين يحتاج إلى مراجعة وإعادة قراءة المشهد برمته وبما يجعلنا مستيقظين لمواجهة كل المشاريع الصغيرة ومنها ما تقوم به مليشيا الحوثي المدعومة من إيران من تجهيل أجيال كاملة بالترهات والخرافات وزرع الألغام وإعادة تدوير الإمامة من خلال خلق الثارات والطبقية ونشر الأفكار العنصرية الدخيلة على المجتمع اليمني.