واا معتصماه
يوسف الراجحي
ختام شابةٌ تنتمي للعدين، تلك المدينة البعيدة عن الانظار لكنها لا تبتعد كثيراً عن ظلم الأنصار، بل هي الفدائية الأولى لكل الظلم والحصار.
مالكم وللعدين، فهي منطقةٍ خضراء، لكن أخضرارها لم يكن كافياً ليبتعد عنها الظلم والطغيان.
الشابة ختام، لم تكن سوى أمراة بكرامة إنسان، لم تحمل السلاح ولم تجرب يوماً الضرب بالعصيان.
الشابة ختام ذات الخامسة والعشرين عاماً ،ومن تمتلك خمسة أطفال ،يؤنسون وحشتها ويخففون عنها بُعد زوجها الغائب ليعيد لها ولأولادها ما يقتتاون به ويصبرون على كل حرمان.
كانت قبل يومين، تنام معا أطفالها، لم يكن هناك معركة قريبةٍ او حرب بالجوار، لذا هي لا زالت بإطمئنان.
على حين غرة، أتى المسلحون مدججون بأسلحتهم
لا تعلم هي ولا أحدٍ ما هي الجريمة ؟
حاولت أن تعيدهم إلى صوابهم بصرخاتها، ماذا هناك
أنا لست مجرمةٍ ،انا لست مذنبة..
يا للهول، يبدوا المحاربون وكأنهم سكارى، يحملون السلاح وبطقمهم وكامل عتادهم من قاتٍ وبردقان وأسلحة ترعب كل الجيران.
كيف لهم أن يفزعوا أمرأة، لديها صغارها فقط
ومن يدعون نسبهم اليه ،يغضب لمجرد إفزاع طير..
جاءت إليك حمامة مشتاقة — تشكو إليك بقلب صَبٍ واجف
من أخبر الورقاء أن مقامكم — حـَــرَمٌ وأنك منزل للخائف
وهذا تأكيد من النبى صلى الله عليه وسلم على الاحتياط فى هذا الأمر، والحفاظ على نفس المؤمن، والابتعاد عن إيذائه بأى شىء.
إن شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منعت الترويع حتى للحيوان فما بالك بالإنسان ومن ذلك شكوى الحمامة حينما روعت في فراخها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، ومررنا بشجرة فيها فرخا حُمَّرة (طائر صغير كالعصفور)، فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من فجع هذه بفرخيها؟)) قال: فقلنا: نحن، قال: ((فردوهما)) رواه أبو داود
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة))
كانت تتذكر هذه الأحاديث والسير فتظن أنها في حلم
كيف بأولاد رسول هذه الأمة، أن يفزعوا امراة وأطفالها .
لم تصدق نفسها …..
تستجدي بهم ،تترجاهم، ما هو ذنبي، ولدها الصغير ينادي أماه لا تخرجي، كان يظن أنهم في مأمنٍ وأن أحفاد الرسول كما يطلقون عليهم لا يفزعون طيراً ولا أمرأة.
وكيف لا وجدهم يقول (من دخل داره فهو أمن )
رويداً رويداً ،كسر المجرمون الباب، يبحثون عن سارقٍ
لم يتساءلوا لعل التهمة كاذبة.
لم يعلموا أن عملهم ليس ترويع الناس ،فقط أمنٌ للناس.
لو افترضنا ألاب قد سرق، فهل يجب أن تؤذي أطفاله وتهاجم زوجته وتفزعهم ليلاً.
هل يؤاخذ الإنسان على جرمٍ لم يرتكبه ؟
لنفترض أنه سرق ..
ألم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اوقف حد السرقة في عام الرمادة..
ألم تكن تلك السنة مجاعة طبيعية..
أما هذه السنة فكانت المجاعة بشرية من صنعكم وبسببكم..
هكذا يتحدث الناس هنا بعد تلك الفضيحة النكراء
المتلبسون باسم الدولة يهاجمون امراة..
يضربونها بأفواه البنادق، بكاء الصغار لا يؤثر فيهم
صوتها أيضاً لم يكن كافياً ،الليل أيضاً لم يردهم بظلامه
كيف لهم أن يروعوا امراة..
أليس لديهم نساء ؟
أم غابت عنهم المروءة وأخلاق اليمني الذي يناىء بنفسه أن يهاجم امراة ولو قتلت أحد أهله .
حتى أخلاق الجاهلية غابت عنهم.
لقد قال عنترة :
وأغض طرفي إن بدءت لي جارتي
حتى تواري جارتي ماؤاها
……
دخلوا البيت، ضربوا المراة،أذوها
لم يكن لديهم كرامة كي يبتعدوا عنها
أصروا أنهم بعملهم هذا يتقربون إلى الرب -أقصد السيد.
ماتت ختام وماتت معها كرامتنا
وكرامة الإنسان اليمني بشكلٍ عام.
بقيت تلك اللحظات الحزينة بادية على صغارها،كانوا يظنون أنّ امهم ستعود بصحتها
ستجهزهم ليذهبوا إلى المدرسة
لعلهم لم يناموا، مترقبين عودة امهم، أتى الصباح بإشراقته..
وأتى الباص حاملً جثة أمهم التي ينتضرون أن تعود روحاً..
فعادت ببطانية ملفوفة..
ناموا عليها،علها تسمع سرعة دقات قلبهم فتصحوا
توسلوا للرب أحي أمنا، ولا حياة اليوم..
لقد ماتت ،لقد ذهبت شاهدة على قُبح المجرمين
لقد ذهبت إلى الرب ومعها كل الخيبات..
بقيء الصغار، من يخرجهم من هذه الأزمة النفسية، كيف سيتنفسون ويأكلون ويشربون..
وفي خيالهم مجرمين قتلوا والدتهم..
كيف سيكبرون ؟والحسرة تكبر معهم..
كيف سينامون، وصرخات امهم لا زالت حاضرة في أذهانهم..
يا لهذا الظلم الكبير
وامعتصماه.. ولا معتصماه اليوم