القطاع المصرفي اليمني .. بين مطرقة معاناة الشارع وسنديان تشظي البنك المركزي
تأثر القطاع المصرفي في اليمن بالانقسام السياسي الحاصل ويعد اليوم أكثر القطاعات تضررا وإرباكا بوقوعه عبثا بين مطرقة معاناة الشارع وسنديان تشظي المركزي اليمني وتعليمات سلطتين نقديتين غير منسجمتين..
لطالما تعالت الأصوات المطالبة بتحييد القطاع المصرفي منذ أيلول سبتمبر 2016م وقرار نقل سلطة البنك المركزي اليمني إلى عدن.. إلا أن مشروع تمزيق العملة الوطنية ظل هو السائد والمتحكم بالسلطة المالية لتشهد العملة انهيارا متزايدا عاما بعد آخر .
من أبرز انعكاسات الانقسام المصرفي انقسام العملة الوطنية بين عملة قديمة وعملة جديدة بسعرين مختلفين، وبالتالي قيام شركات الصرافة والتحويلات بفرض رسوم كبيرة على الحوالات المالية بالعملة المحلية من المناطق الجنوبية التي تحت سيطرة سلطة “هادي”، إلى المناطق الشمالية مناطق سلطة الحوثيين الأمر الذي شكل سخطاً متزايداً .. إذ وصل المبلغ المقتطع من الحوالة المرسلة من الجنوب إلى الشمال ما نسبته 40 % .. وهكذا بدأ السخط الشعبي على البنوك وشركات الصرافة ..
ومن هنا واجهت البنوك الفاعلة هجمات ومضايقات عدة .. لم يكن بنك الكريمي وحده عرضة لسهام الاتهامات والإجراءات التعسفية، باعتباره الأكثر نشاطا رغم أنف العبث الحاصل؛ بل شملت بنوكا أخرى كـ “التضامن” و “اليمن الدولي” وغيرهما فهناك من يوجه إليهم التهم دون وعي لماهية وجذور الاشكالية المصرفية المركبة.. بينما تفرض عليهم السلطات المزيد من القيود متجاهلة مسؤوليتها وبنك البنوك المركزي اليمني في ما آل إليه الوضع اليوم بفقدانه لوظيفته وتضاعف معاناة المواطن اليمني جراء تدهور قيمة الريال اليمني وارتفاع كلفة العمولات للحوالات بين المناطق اليمنية شمالا وجنوبا.. اضافة إلى حرمان قرابة 1.2 مليون موظف يمني من رواتبهم وتعطيل موارد الدولة وعلى رأسها النفط والغاز وتحميل القطاع الخاص فاتورة باهضة نتيجة الاجراءات المالية وارتفاع كلفة الواردات ..
بالمقابل بلغت محلات الصرافة غير المرخصة أكثر من 2000 مكتب وشركة وهذا كما يرى مراقبون مؤشرا آخر على أن اليمن في غياب السلطة النقدية، هكذا بات سوقاً رائجا لعمليات غسيل أموال هدفها إفراغ اليمن من المليارات وتعزيز حالة الفقد والغياب وتضاعف الأزمة اليمنية.
الحقيقة الحديث عن اشكالية القطاع المصرفي وتشظي العملة الوطنية اليوم موجع للغاية.. لأن ما حدث ويحدث هو نتاج طبيعي يدفع ثمنه اليمنيون لتغيّر أدوات الضغط وأوراق السياسة في إدارة الصراع وجعل البنك المركزي اليمني في حالة نزاع وتنازع بالمهام بين صنعاء وعدن كحرب أخرى يود مُشعلوها استثمار آثارها الكارثية ..
وعليه لا مناص اليوم إلا باستدعاء ما تبقى من نوازع الخير هنا وهناك والانحياز للريال اليمني باعتباره هوية وطنية، واتخاذ التدابير اللازمة للملمة شتات المركزي اليمني واستعادة وحدته وفق رؤية وطنية خالصة وعملة موحدة تنهي العزلة المالية الدولية على البنك المركزي والبنوك التجارية اليمنية وتخفف من حدة الأزمة الانسانية المتفاقمة وتعيد الثقة بهذا القطاع الحيوي الهام .