أنا ودييّغو.. وعشق البدايات ..!

 فارس محسن أحمد

إلى مهد الطفولة، ونعومة أظفاري يعود بي شريط الذكريات لمرحلة البدايات الأولى لانطلاقتي في هذه الحياة رفقة والدي الحبيب- أدام الله عزه – الذي ارتبطت فيه ارتباطاً وثيقاً ساهم في بناء وتكوين شخصيتي، في مختلف المجالات علمياً وثقافياً، واخلاقياً واجتماعياً، ومنها كانت خطوة المعرفة الأولى بساحر المستديرة وملك العالم الكروي حينها ” الاسطورة الراحل.. ديغوا ارماندوا مارادونا”..!

آآآه على عشق البدايات لطفل لم يتجاوز السادسة من عمره، يصطحبه والده ويقطع برفقته المسافات ذات مساء مونديالي استحوذ على أفئدة الناس في قريتي الصغيرة وهم يتسمرون أمام شاشة التلفاز ذات اللونين الأسود والأبيض التي تعمل على بطارية إحدى سيارات القرية لمتابعة مباريات كاس العالم ١٩٨٦م، بهوس رياضي استثنائي وشغف كروي لا حدود له.

نعم كنت صغيراً جدا في تلك الأمسية لكن ذاكرتي ما تزال محتفظة إلى اليوم بأحاديث أصدقاء والدي عن كرة القدم وعن المونديال، وعن المنتخبات العربية المتأهلة “العراق والجزائر والمغرب”، وعن راقصوا التانجو وقائدهم الأسطوري “دييغو”..!

كان والدي يعشق منتخب “بلاد الفضة” وهو ما غرس بذرة ذلك العشق للارجنتين في قلبي مبكراً وما زالت كلمات والدي تتردد في مسمعي وهو يتباهى بغزير تعلقه بالمنتخب الأرجنتيني ويقول لي :” ليس هم الأفضل يا ولدي ولا هم بتلك القوه القاهرة، ولكن لديهم نجماً معجزة، ومبدعاً إستثنائيآ في عالم المستديره إنهُ ساحرآ فضائيآ على الأرض” وكان يقصد حينها ” الملك مارادونا”..!

كان الحب لدييغو المولود في رحم الفقر المدقع قد تجذر في قلبي وأنا أستمع لقول والدي “إنهُ من الطبقة الفقيرة المحرومة إنهُ يعبر عن مكنوننا الداخلي “..!

لا أدري لما كان يمثل صوت وطننا في ذلك الزمن جمهورية اليمن الجنوبيه الشعبيه ماجعلني أحب شعوب #أميريكا اللاتينيه وعواصمها وجغرافيتها وتاريخها حتى اللحظة..!

ولأن عشق البدايات لا تنسى فقد ساهم دييغو بقيادته لمنتخب الأرجنتين لتحقيق اللقب العالمي وتتويجه هو شخصياً النجم الأبرز في المونديال، ساهم ذلك التألق اللافت في ترسيخ عشقي له ومنتخب بلاده..!

وكغيري من عُشّاق دييّجو ومن تأثرتُ بهم ومنهم من جيل والدي وأصدقاءه لم يَعُد يجذبهم نجوم عصر الكره الحالي لأنهم تابعوا وعرفوا ورأوا مهارات ماصنعتهُ عبقرية مارادونا،كحكاية فريده أبهرت العالم من شرقه إلى غربه، ولا اقلل مما يعملهُ نجوم الكره في عصرنا الراهن مثل ميسي وكرستيانو ونيمار وغيرهم، ولكن لم يعد كل هذا يجذبني نحو الساحرة المستديرة، كما كان يفعل مارادونا في عصره الذهبي، فكل ماعملهُ مارادونا خالدآ وعابرآ لحدود العالم ومثلما سمعت طَرَب الزمن الجميل وأرتويته من ذلك الجيل كأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم وليلى مراد وفريد وإسمهان الأطرش وفيروز وابوبكر سالم وغيرهم وشعر رامي وبيرم التونسي لم يُعد يجذبني مغنٍ في الزمن الحاضر.

فكلما أسمع قصيدة حافظ إبراهيم وقف الخلقُ ينظروا كيف أبني قواعد المجد وحدي وكفاني الكلام بناة الأهرام عند التحدي

أنا تاج العُلاء مجدي عريق من له مثل أولياتي بصوت كوكب الشرق وملّحن المعاني السُنباطي أرى مارادونا يقفُ شامخآ متواضعآ بانيآ المجد أينما حلّ..!

تابعتُ مارادونا نجمآ سلطانآ للملاعب ومالئ الدنياء سحرآ وجمالآ وضجيجا، بشخصيته الاستثنائية، فالعملاق دييغو ارماندو مارادونا هو لاعب كرة القدم الوحيد الذي ربط بين الأجيال السابقة واللاحقة والذي يُقارن بهم جميعآ يقارن بمن قبله دي ستيفانو وبيليه وكرويّف ومن معه بلاتيني وزيكو وغيرهم ومن هم بعده جيل رونالدينو وميسي وكريستيانو..!

مارادونا رجل الاستثناء والانتماء في العشق الكروي حينما ترك أكبر أندية العالم مثل برشلونه ومدريد وذهب الى فريق نابولي الذي يقبع في حافة الهبوط للدرجه الثانيه ليقود النابوليتانو من جنوب إيطاليا ضد سطوة أندية الشمال الى المجد بطلآ للكالتشيوا مرتين87-90م، وكأس بطولة الإتحاد الاوروبي89م وغيرها..!

ذلك لأن مارادونا نصير الفقراء يستمد قوّته من الجماهير،
ولقد عرّفنا بنابولي صُغارآ وكل العالم.. لقدأحبوهُ طليان (عرب أوروبا) واستقبلوه (٧٠) الف حينها، فهو صانع مجدهم وهذا ماجعلني احبه ليس له هدف غير حب الناس فيبدع مع الفرق الفقيره والمهمشه ومن مشجعينها العمال ..لقد رأى العالم الطليان في مونديال عام 90م،وهم يشجعون الأرجنتين ضد وطنهم إيطاليا من اجل خاطر مارادونا ووفاء له..!

اليوم رحل وودع ” مارادونا” الحياه وكم إنتصر للحياه وكم لعب وكم راوغ وكم تفنن فأي حضور لمارادونا وأي حب إكتسبه من الناس فلا الساعات ولا الأيام تكفي للكتابه عنه. فقد غادر الحياه كنجم الفجر الرّاحل ولكنهُ لن يذوي سيولد كل ليله في حلم كل طفل عاشق للكره وكل لاعب طامح للمجد إنهُ الإسطوره التي تأبى النسيان..!

اليوم في خاتمة 2020م شاهدتُ عناوين. صحف اوروبا خلال الأيام الماضية، و كغيرها من عناوين الصحف العالمية، ملخصها العالم يوّدع باكيآ مارادونا حتى الإنجليز ومن يُفترض أنهم يكرهوه لكنهُ مارادونا يحبوه وكتبت صحفهم”يد الإله في يد الله” وهي التي أقصت منتخبهم ..!

أتساءل أيُ حب من العالم أجمع لهذه الشخصيه المزيجه من البراءة والطُرفه والإبداع والطفولة الدائمه ، رغم كل مامر من مطبات الحياه والكوكائين والمرض..!

وداعاً.. دييغو ارماندوا مارادونا.. وداعاً أسطورة كرة القدم الخالدة..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى