تقارير دولية تكشف عن أثرياء اليمن الجدد.. من هم؟
معين برس | تقرير – متابعات:
في خضم حرب طاحنة وأزمة إنسانية قاسية طاولت أغلب شرائح المجتمع اليمني، برزت طبقة ثرية بدأت تتشكل وتتمدد بصورة علنية، وصفت تقارير دولية ومحلية أفرادها بـ”الأثرياء الجدد”، الذين استفادوا كثيراً من السوق السوداء للوقود واحتكار استيراد السلع الغذائية الأساسية وتجارة الطاقة الكهربائية، حتى تمددوا إلى سوق الصرافة.
وفي هذه الأجواء تكونت مشاريع خاصة واقتصاد مواز وثروات هائلة في ظل انحسار الدور الحكومي وتقويض مؤسسات الدولة ورفع يدها عن مختلف الموارد العامة السيادية في البلد الذي تمزقه الحرب منذ نحو خمس سنوات.
ورصدت “العربي الجديد” توسع دائرة تجار العملة وانتشار مكثف ومتواصل لمحال الصرافة التي زادت بنحو خمسة أضعاف خصوصاً في صنعاء وعدن مركزي المال لطرفي الحرب.
وقفز عدد محال وشركات الصرافة في صنعاء فقط إلى أكثر من 1500 شركة ومحل، بينما كان عدد الشركات المرخص لها يبلغ فقط 400 شركة، وفق آخر بيانات صادرة عن البنك المركزي اليمني قبل الحرب.
ولا يختلف الأمر كثيرا في عدن (جنوب) التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة، ينفذ البنك المركزي حملة منذ مايو/أيار الماضي لملاحقة شركات ومحال الصرافة، أسفرت حتى الاَن عن ضبط ما يزيد على 100 شركة ومؤسسة صرافة غير مشروعة، بينما ألزم الكثير غيرها بسرعة تصحيح أوضاعها وربطها بالنظام المحاسبي للبنك في عدن.
وحسب مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني في عدن، فإن البنك وسع منذ نحو عشرة أيام حملته لتشمل محافظات أخرى في النطاق الجغرافي للحكومة اليمنية مثل الضالع ولحج وتعز، لضبط محال وشركات الصرافة المخالفة للأنظمة والقوانين والتي يتركز عملها في المضاربة بالعملة.
ويؤكد المسؤول أن هناك تجاوزات ومخالفات واسعة من قبل فئات تشكلت مؤخراً في السوق التجارية المصرفية تقوم بالمضاربة بأسعار الصرف والذي يتخذ البنك ضدها منذ نحو ثلاثة أشهر إجراءات صارمة وبأوامر من نيابة الأموال العامة، ما بين فرض غرامات مالية لبعض مؤسسات الصرافة وإغلاق أخرى، وذلك لتصحيح الاختلالات القائمة في السوق المصرفية والتي أدت إلى انخفاض قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
غسل الاموال
ومع حالة الانفلات التي ولدتها البيئة السياسية والأمنية المضطربة وضعف الرقابة، وجدت شركات الصرافة في اليمن منفذاً لغسل الأموال خاصة أنها حلت محل البنوك ومازالت تقوم بوظائف البنوك التجارية كمكان للإيداع، في ظل توجه ما يطلق عليهم في اليمن بـ”الأثرياء الجدد” إلى المضاربة في أسعار الصرف وغسل الأموال.
ويقول الخبير المصرفي، نشوان سلام، إن انتشار شركات ومؤسسات الصرافة وازدهار تجارة العملة في بلد بهذا الوضع يمثل صورة بشعة للحرب الدائرة في اليمن، موضحا لـ”العربي الجديد” أن الحرب التي تجاوزت سنتها الخامسة خلقت أغنياء وأثرياء جددا استفادوا منها بصورة سيئة، حيث زادت من حجم ونسبة الاقتصاد الخفي الذي يرتبط كثيرا بعمليات غسل الأموال.
ويتحدث سلام، عن مضاربة واسعة في العملة الوطنية منبعها الرئيسي الأثرياء الجدد، الذين اتجهوا إلى هذه السوق لتسييل أموالهم وثرواتهم، الأمر الذي أدى إلى هذا الانهيار الذي تشهده قيمة الريال والاقتصاد والوضع المعيشي، مشيرا إلى بروز منافذ متعددة ساهمت في هذا الاضطراب مثل الضخ الواسع للعملة الجديدة المطبوعة في عدن واستخدام الحوثيين للعملة التالفة.
وتسببت الحرب في تشتت المؤسسات الحكومية خصوصاً الاقتصادية والمالية، وانشطار البنك المركزي الذي أصبح برأسين في صنعاء وعدن، وتفكك الفروع والمنظومة المالية والإيرادية والإدارية المرتبطة بالبنك المركزي كمؤسسة وطنية مستقلة.
كما أن ظهور وانتشار تجار السوق السوداء للوقود كفئة طاغية في هذه الظروف، نتج عنها سوق سوداء أخرى في العملة تحكمت في السوق النقدية وكانت المضاربة بالعملة الوطنية الوجه الأكثر قتامة.
وفي السياق، يتحدث الباحث الاقتصادي، منير القواس، عن ضرورة تحسين الكفاءة الرقابية للسلطة النقدية على محال الصرافة التي تكاثرت خارج ما يسمح به الاقتصاد وكسبيل للإثراء.
ووجد تقرير أممي مؤخراً مؤشرات تدل على الإثراء غير المشروع في اليمن من خلال تلاعب جميع الأطراف بأسعار صرف العملة.
وباتت ظاهرة المضاربة بالأراضي مصدراً أساسياً لأموال الأثرياء الجدد والتي تدخل بدورها في عالم الصرافة لتتكاثر وتعود للدخول في قطاعات عدة في الدولة.
ويشير خبراء اقتصاد ومصرفيون إلى ظاهرة المضاربة في أسعار الأراضي والتي تسبب تناميها في تدهور القوة الشرائية للنقود، نتيجة تسعيرها بالريال السعودي خصوصاً في عدن ومحافظات جنوب اليمن، وهو ما أدى إلى إضعاف الدور السيادي للعملة داخل حددوها الوطنية.
وتقدر تقارير ودراسات اقتصادية يمنية نسبة الاقتصاد الخفي في اليمن بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي وتستند هذه التقديرات إلى تدني نسبة تحصيل الموارد العامة وبسط السلطات الموازية للمؤسسات العامة الشرعية سيطرتها ونفوذها على مختلف الموارد العامة كالضرائب والجمارك مع توقف تصدير أهم مرتكزات الاقتصاد اليمني مثل المشتقات النفطية وما تم إعادة تصديره مؤخراً يتم توريد عائداته إلى البنك الأهلي السعودي فضلاً عن البنك المركزي اليمني، الذي يفتقد للعملة الصعبة من الدولار.
ويقول المستشار القانوني السابق في محكمة الأموال العامة فائز النجار، إن اهتزاز المنظومة التشريعية والقانونية في اليمن خلق ثغرات عديدة استغلتها الفئات التجارية الجديدة التي كونتها الحرب على حساب معاناة وتجويع اليمنيين.
ويؤكد النجار ، أن أموال الحرب وجدت طريقها للمرور بانسيابية من خلال الاقتصاد الموازي لغسلها وتبييضها رغم اعتقاده بأن أجزاء كبيرة من هذه الأموال وجدت طريقها إلى الخارج بما فيها رؤوس أموال وطنية لتجار ورجال أعمال دفعتهم الحرب للخروج من البلاد.