أصبحنا لا نعلم الخير من الشر !

عزالدين المريسي *

لقد وضعنا فايروس كورونا أمام حقيقة مفادها أن عالم الغد ليس كعالم اليوم وأن المستقبل متغير الملامح ..
هذا الفيروس كشف القناع، وأظهر المستور ، ووضع الناس في المكان الذي يستحقونه!

أظهر أن البقاء للعلم والفناء للخرافة ، وأنه لا تصلح الأمم إلا بالعلم، ولا تنجو إلا بالعلم.

أظهر أن الأطباء والإعلاميين والباحثين ورواد العلم – هم فقط من – يستحقون التكريم والعناية والاهتمام .. فحينما أصاب الفيروس العالم بمقتل تصدى له الأطباء وطلبة العلم بينما أفل نجم الفنانين والرياضيين والمشهورين ممن يقبضوا ملايين الدولارات ويتواروا خلف ستار الصمت وقت حاجة الأمم لهم .. ظهر زيف شهرتهم وأنهم لا شيء في عالم لا يؤمن إلا بمن يخدم البشرية والإنسانية ويكفر بما سواهم.

هذا الفايروس عرفنا بحجم الدول والحكومات وأنها هشة وإن بدت قوية ، وأن طريق التنافس مطلوب وطرق أبواب الحرية والاستقلالية واجب لحماية البشر من قادم يتحكم فيه الأقوى وتحكم فيه شريعة الغاب ويغيب مبدأ العدالة والمساواة إن لم يكن بيد كل أمة زمام الأمور للدفاع عن نفسها أو لإيجاد التوازن ومنع الاختلال.

لذلك فإن عامل التفوق العسكري ليس الفيصل ولا حجر الأساس لإلغاء عمل بقية الدول في هذا الكوكب ، بل إنها إن كانت قوية لما أظهرت عجزها عن مقاومة فيروس متناه في الصغر لا يرى بالعين المجردة.

فايروس كورونا وضعنا أمام مشهد مصغر ليوم القيامة .. {يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه}..

لا يجب أن نغوص في الجانب السلبي لهذا الفايروس بل يجب أن نأخذ العبرة منه ، فلقد أظهر لنا كذب مدعي الإنسانية خلال أيام – وهذا ما لم نستطع إثباته خلال أعوام – فرأيناهم تضامنوا لإصابة الآلاف في البلدان المتقدمة بينما لم نر هذا التعاطف مع اطفال اليمن الذين يموت منهم الآلاف جوعا وقصفا جراء حرب عبثية !

هذا ما لم نره مع اللاجئين السوريين خلال أعوام من التشريد والقهر!

هذا ما لم نره مع الشعب الفلسطيني المظلوم المقهور الموجوع المغلوب على أمره من عشرات السنين وهم يقصفون ويقتلون ليل نهار من قبل كيان مغتصب محتل !.. لم نر أي إدانة للإبادات الجماعية بحق الشعب الفلسطيني الصابر على البطش والجوع والظلم ؛ بل على العكس من ذلك رأينا تخاذل وتقاعس الدول عن نصرتهم جماعات وأفرادا!

هذا ما لم نره في الدول الراعية لحقوق الإنسان وهذا شيء معيب جدا وخرق واضح للحقوق وانتهاك صارخ بحق الإنسان ، نحن لسنا ضد التعاطف مع الإنسان والشعور به ، والرفع من قيمته لكننا ضد الكيل بمكيالين ، ضد أن ننظر للأمور بشق مائل.

فايروس كورونا يجب أن نأخذ العبرة منه بأن ننظر للإنسان – أينما كان – بعين السواسية بعيدا عن لونه أو جنسه أو جنسيته ، بعيدا عن الحسابات الضيقة التي مزقت إنسانيتنا وأعدمت ضمائرنا على مرأى ومسمع من العالم.
#كورونا

* كاتب وصحافي من اليمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى