المعافر في الحجرية.. ماذا قال الرسول حين لعن “أبو سفيان” أهلها؟!

المعافر .. قلب الحجريه النابض وينبوع الحياة، ذلك انها تجسد قالبا لتاريخ ضارب في الاعماق وحاضر يسير وفق أبجدية التحضر المتسارع، لا تبدو المعافر اليوم سعيدة بهذه الخطوات التي أخذتها  بعيدا عن مكنونها التاريخي الحقيقي رغم إنها شكلت إلى جانب باقي مديريات الحجرية الأربع  مصنعا بشريا هائلا أنتج كوادر بشريه انتشرت لتملأ أصقاع الجمهورية اليمنية.

معين برس | سامي شرف الشهاب *

المعافر، واحدة من مديريات الحجريه، بمحافظة تعز اليمنية، وتقع في الركن الجنوبي الغربي من اليمن، تقترب بموقعها من باب المندب والشريط الساحلي للبحر الأحمر، وقد وفر لها موقعها هذا الشروط الطبيعية اللازمة للحياة والاستقرار، فهي واقعه في مكان متوسط بين السهل والجبل ولها من الغرب اتصال بتهامة وشريطها الممتد شمالاً مشرف على البحر الأحمر ومسايرا له، ولها اتصال بجبال السراة وهي حلقة منها، لقد جعل منها هذا الموقع الاستراتيجي  حلقة وصل في عمليات التوصل التجاري البري بين سواحل المحيط الهندي وما يصل إليها من شرق أفريقيا، وبين ضفاف الفرات في العراق وسواحل البحر المتوسط في الشام ومصر.

أقدم مواقع الاستيطان

على الرغم من أن الإقليم ظل خارج دائرة البحث الأثري والتاريخي  لفترة طويلة من الزمن، إلا ان الدراسات الأثرية الأخيرة التي قام بها عدداً من الباحثين والمشتغلين بحقل الدراسات الأثرية – على قلتها – تشير الى  أن الإقليم  شهد نشاطاً بشرياً ملحوظاً، وازدهاراً حضارياً كبيراً وكان له دور كبير في رسم الصورة الحضارية لجنوب الجزيرة العربية “اليمن القديم”. فقد بينت الدراسات التي قام بها كلاً قام بها (ويلن) Whalen وسكوت  Schatte في مطلع تسعينيات القرن الماضي وبارث شوهان، وروس وغالب, أهمية هذا الجزء من الأرض اليمنية، واحتوائه على أقدم مواقع الاستيطان البشري في اليمن، والتي ترقى إلى الدهر الحجري القديم الأسفل، وكانت المعافر بفضل موقعها واحدة من أهم المحطات التي تم عبرها الإنتقال بين اليمن وإفريقيا، وربما كانت واحدة من أقدم المناطق التي وطئتها قدم الإنسان بعد انتقاله من أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية عبر باب المندب.

صفحة من تاريخ قديم

بالنسبة لدورها في العصور التاريخية فقد بينت الدراسات التي قام بها كلاً من الباحث والقدسي, والغوري، بأن المعافر كان لها حضوراً قوياً في كثيرٍ من الأحداث الجوهرية  التي أثرت وبشكل واضح في رسم الصورة الحضارية لليمن القديم، وذلك منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد على اقل التقديرات.

وخلصت تلك الدراسات مجتمعة إلى جملة من الحقائق الهامة الحرية بالبحث والتحقيق من قبل الباحثين والمهتمين في حقل الدراسات الأثرية والتاريخية، إذ تبين بأن إقليم المعافر كانت له حدود مطاطة شملت كل المنطقة الجنوبية الغربية من اليمن تقريباُ بمسمياتها المختلفة اليوم, ولم يكن مقصوراً من الناحية الجغرافية على ما يعرف اليوم بمحافظة تعز فقط, فقد أكدت دراسة قام بها الباحث, بأن الإقليم كان يمتد ليشمل الجزء الجنوبي الغربي من اليمن بكل مسمياته وتقسيماته الإدارية اليوم (محافظة تعز – جزء من محافظتي  لحج والضالع  في الشرق – جزء من محافظة إب في الشمال- جزء من محافظة الحديدة غرباً). وقد شهد هذا الإقليم نشاطاً بشرياً مبكراً خلف العديد من المواقع الأثرية يعود أقدمها إلى  العصر  الحجري القديم؛ كما تبين أن هذا الإقليم قد تأثر وبشكل مباشر بالظروف المناخية التي شهدتها شبه الجزيرة العربية في أواخر عصر البليستوسين وعصر الهولوسين، وأن السجل الأثري (المواقع) في إقليم المعافر قد تأثر بتلك الظروف المناخية والبيئية، والتي كانت سبباً في تدمير وتعرية الكثير من تلك المواقع التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وخاصة المبكرة منها، كما تأثرت هذه المواقع تأثراً سلبياً بالأنشطة الإستيطانية المتعاقبة المتمثلة ببناء المستوطنات البشريه المتأخرة والحقول والمدرجات الزراعية التي جاءت على حساب مواقع عصور ما قبل التاريخ الأثرية.

استقلال ذاتي

كما تبين من خلال دراسة وتحليل المصادر التاريخية التي تناولت المعافر بالذكر أن المعافر كانت ومنذ القدم من المناطق التي تسعى إلى تحقيق الإستقلال الذاتي عن جسم الدولة المركزية، مستغلة بذلك موقعها الجغرافي في الطرف الجنوبي الغربي من اليمن وإطلالها على الساحل الغربي، فضلاً عن قربها من البر الإفريقي، وأن المعافر كانت في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، على قدر كبير من القوة العسكرية والاقتصادية، وكان فيها الكثير من المدن المشار إليها بالهجر والكثير من القلاع والحصون العسكرية التي شكلت مواقع عسكرية متقدمة كانت تطل على الطرق التجارية ومدن الأسواق.

حضارة لم تدوم طويلا

تعد  المعافر من أقدم مناطق اليمن القديم التي أسست لقيام علاقات تجارية نشطة مع البر الإفريقي ومنها انطلق أقدم المهاجرين اليمنيين الى أفريقيا “الحبشة ” حاملين معهم مشاعل الحضارة والمدنية فأسسوا بذلك مستوطنات تجارية نشطة حملت جلها أسماء بلدان ومناطق مؤسسيها من ابناء اليمن, وكانت تلك المستوطنات الزراعية والتجارية بمثابة النواة الأولى التي تشكلت على آثرها دولة اكسوم في الحبشة لاحقاً, وقد حمل أولئك المهاجرين معهم كل معارفهم الفكرية والدينية ونظم حياتهم المعشية، ونقلوا معهم تجاربهم في مجالات الحياة المختلفة، ولقد بينت الأعمال الأثرية الاخيرة التي أجراها خبراء المان في الحبشة وجود ثقافة عربية جنوبية – سبئية- أصيلة نشطة وعلى قدر كبير من المدنية والحضارة منذ النصف الثاني للألف الثاني قبل الميلاد على اقل التقديرات.

نفوذ سياسي

وتعد هذه الحقائق بمثابة حدث علمي هام غّير كثير من المفاهيم إذ كان المتعارف عليه في أوساط الباحثين حتى وقت قريب ان الهجرات اليمنية الى الحبشة كانت في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد, فجاءت النتائج الأخيرة لتعطي بعداً زمنياً جديداً يؤكد قدم الهجرات اليمنية إلى الحبشة وتؤكد بأنها كانت هجرة أناس على قدر كبير من التحضر نقلوا معهم تجاربهم الرائدة في مجال الحضارة والتمدن وأسسوا لهم مستوطنات وفقاً للرؤى الفكرية والحضارية والمعمارية التي كانت سائدة حينها في موطنهم الأصلي – اليمن القديم – , ولم يقتصر تواجد المعافريون على بلاد الحبشة فقط , بل لقد تعدوها وصولاً إلى تنزانيا فقد أشار صاحب كتاب الطواف حول البحر الإرتيري الى وجود نفوذ سياسي لحاكم إقليم المعافر على تنزانيا.

بداية التنوير

يتضح  من خلال ما طالعتنا به كتب التاريخ بأن المعافر كانت ولا تزال تشكل مركز ثقل وإشعاع حضاري ومركز من مراكز المدنية والحضارة منذ الأزل حيث جاب ويجوب أبنائها الآفاق فهم بحق نوارس مهاجرة تحمل معها مشاعل النور والحضارة منذ قديم الزمان, ولعل فيما ذكر أعلاه خير دليل على ذلك, ليس هذا فحسب بل لقد كانت المعافر عند بزوغ فجر الإسلام من أوائل القبائل اليمنية التي آمنت برسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثامنة للهجرة بعد غزوة تبوك, وكان لأهل  المعافر مكانة خاصة عند رسول الهدى, فقد جاء في مسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي سفيان بن حرب الذي لعن أهل المعافر في مجلس رسول الهدى “لا تلعنهم – أي المعافر- فإنهم مني وأنا منهم” رواه أحمد والطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن.

وخلال مرحلة الفتوح الإسلامية خارج جزيرة العرب كانت المعافر من مناطق اليمن التي جادت بخيرة رجالتها الذين حملوا مشاعل النور والهدى الى مناطق مختلفة من العالم فكانوا في مقدمة الجيوش التي فتحت بلاد الشام والعراق وفارس وبلاد مصر والمغرب العربي وبلاد الغال وبلاد الهند والسند, والكثير منهم شارك في  وضع الخطط لتأسيس المدن العربية الإسلامية كالكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان.

  • باحث متخصص في الآثار اليمنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى